الجمعة، 14 أكتوبر 2016

المدرسة السفسطائية


المدرسةالسفسطائية

السفسطائي: لفظ معرّب، وأصله يوناني من Sophosسوفوس، ومعناه الحكيم(). السفسطة: نوع من الاستدلال يقوم على الخداع والمغالطة()، وهي عند الفلاسفة الحكمة المموهة().والمدرسة هي طائفة أو فرقة متجولة من المعلمين للخطابة والجدل والبلاغة وبعض العلوم الفلسفية السطحية، ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، لم تجمعهم مدرسة فلسفية موحدة، وإنما يشتركون فيجملةمنالنظرياتأوالمواقفالعقلية, يرفضون الدين ويخالفون التقاليد والأعراف اليونانية السائدة، ويفسرون الظواهر الطبيعية تفسيراً عقلانياً، وينادون بالنسبية والذاتية في الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية، ويدعون الأفراد لممارسة حرياتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية والدفاع عن حقوقهم الطبيعية(),ومن كبار السفسطائيينبروتاجوراس، وبروديكوس، وهيبياس وغيرهم(). عرف مذهب السفسطائية من خلال شذرات متناثرة، فتاريخهم ناقصاً ومشوشاً لعدم الإنصاف من قبل بعض الفلاسفة والمؤرخين، وأكثر ما نقل عنهم ناله التحريف والرؤى الشخصية فخلا المنقول عنهم من الموضوعية، كما هو الحاصل مع أفلاطون والذي طغت عليه الذاتية بشكل ظاهر فشن الهجوم والاتهام على السفسطائيين ونعتهم بأقبح الصفات()،فالسفسطائي في رأي سقراط وأفلاطون هو تاجر يتجر في المعارف التي يقوم بنقلها من مدينة إلى أخرى يسوّق ويمتدح ما لديه "أليس السفسطائي في الحق بائعاً بالجملة أو بالقطعة لبضائع عليها تتغذى النفس... وقد يكون من بينهم ... من يجهل إن كان ما يبيع مفيداً للنفس أم ضاراً بها"().والحقيقة أن السفسطائيين برعوا في علم المعاني والنحو ولهم آراء ونظريات في المعرفة والفكر القانوني، وفي فلسفة الأخلاق وفي الدين(). من أهم زعماءهم بروتاجوراس() والذي أقيمت قواعد المذهب السفسطائي على تعاليمه وآراءه ونظرياته ومن أتى بعده من السفسطائيينتُعد آرائهم تكملة لما قاله بروتاجوراس. فالسفسطائية تسلّم "بوحدة العلم والإحساس"()، وتجعل الإنسان مقياس كل شيء، وهذه الفكرة هي أساس فلسفتهم، فكل ما في الوجود تحكمه النظرة الفردية الذاتية الإنسانية، فالإنسان في نظرهم مقياس كل شيء، فليس هناك نظرة موحدة للكون بل نسبية تشمل كل الوجود، فالصحيح والصواب هو كل ما يراه أي إنسان بالنسبة له صواباً. يقول بروتاجوراس: "إن الإنسان هو مقياس كل شيء، الموجودات بالنسبة إلى وجودها وغير الموجودات بالنسبة إلى عدم وجودها"(). ويقول أيضاً: "إن الإنسان هو مقياس كل شيء، مقياس الأبيض والخفيف والثقيل، وكل الانبعاثات المماثلة بغير استثناء، وعنده في نفسه المعيار الذي يرجع إليه وهو يعتقد أن الأشياء تكون كما يحس بها، وبالتالي يظنها حقيقة عنده وموجودة بالنسبة له"(). والحقيقة في نظره كما يقول: "الحقيقة هي كما دونتها كل منا هو مقياس لما هو موجود وما ليس موجود"().فبروتاجوراس ينفي أي حقيقة موضوعية، وإنما الحقيقة هي ما تحدده آراءنا وانطباعاتنا وانفعالاتنا، "إنما الرأي هو دائماً ما ننفعل به، وكل ما ننفعل به صحيح"()، ويربط بروتاجوراس أيضاً بين مشاعر الإنسان ودوافعه وبواعثه وطريقة تفكيره ويجعل العاطفة والشعور والمنفعة هي السلطان الموجّه والمحكم لأعمال الفرد وآراءه. وكذلك نظر بروتاجوراس والسفسطائية عموماً إلى الوقائع الخارجية العملية، وجعلوا بناء الأحكام وفقاً لها، وقالوا بالنسبية بناءاً على التباين في الواقع الخارجية فليس هناك أي حقائق مطلقة وعامة؛ لأن الحقيقة نسبية وتختلف من إنسان لآخر()، فيرى بروتاجوراس مثلاً: "أن الطعام يكون ويظهر في فم المريض مراً في حين أنه يكون بالنسبة للسليم ويظهر له على العكس من ذلك"().كذلك ليس هناك أي حقائق متناقضة، ولا يمكن أن تعلو وتختلف إلى درجة التناقض، وإنما الحقائق تختلف بدرجة مستوياتها فهناك حقيقة حسنة وحقيقة أحسن، فكل القضايا والرؤى صحيحة، يقول بروتاجوراس: "وعلى هذا النحو يكون البعض أحكم من البعض الآخر بدون أن يكون لأحد آراء خاطئة"().كما يمكننا في نظر بروتاجوراسوالسفسطائية أن نجمع بين أمرين حتى وأن كانا متناقضين وكلاهما يعد صحيحاً، وفي هذا يقول بروتاجوراس: "إن الإنسان يستطيع أن يقول شيئين متعارضين بالنسبة إلى الشيء الواحد"(). وبظهور جورجياس()السفسطائي ازدادت النزعة الشكية وبلغت مداها عند السفسطائية، فالشكية مطلقة لدى جوررجياس ذاتية وخارجية، أي شك في التفكير وفي الحس، وفي الواقع الخارجي فشكه شمل كل الوجود وبرهن على ذلك بثلاث حجج، أولاً: لا يوجد شيء، وثانياً: حتى لو وجد شيء فإنه لا يمكن إدراكه ومعرفته، وثالثاً: حتى لو كان ممكناً معرفته وإدراكه فمن المتعذر نقله إلى الآخرين"(). ونتيجة لتوحيد السفسطائيين بين الأخلاقيات ومشاعر الفرد والإيمان بالنسبية المطلقة من حيث أن ما هو صواب بالنسبة لي يكون صواباً وكذلك صواباُ ما تضفه أنت"().وما يريده كل إنسان ويختار أن يفعله بحسب أرادته اللاعقلية أو بحسب مصلحته ومنفعته، فما اختاره وأراده يكون صحيحاً مشروعاً له، وبناءاً على هذا خلص المذهب إلى أن العادات والقانون والأخلاق والدين هي أشياء عرفية يتواضع عليها الناس بحسب منافعهم، وأن العديد من مصادر القرارات الإنسانية هي المواضعة لذلك فالقضايا أغلبها لا تتفق مع الطبيعة(). فتراسيماخوسالسفسطائي يرى أن القانون الوضعي أداة بيد الأقوياء لإخضاع الضعفاء()، فالحكومات تضع القوانين لصالحها، فالديمقراطية تضع قوانين ديموقراطية، والملكية تجعلها ملكية وهكذا، والحكومات بعد سنّها للقوانين تعلن أن هذه القوانين هي مشروعة وعادلة، ومن يخالفها يكون خارج القانون والعدالة، لأن العدالة هي تحقيق مصالح الأقوى(). وأما كاليكس فقد ذهب إلى العكس من ذلك فرأى: "أن القوانين هي السد المنيع بين الضعفاء ضد الأقوياء"()، وذهب هيبياس إلى أن: "أن القانون طاغية فوق البشر يفرض بإرادته كثير من الأشياء رغم الطبيعة"().وأما بروديكوس فينظر إلى أن المتعبد في الأصل يعبد ما يعود له بالنفع، ولذا عبد الناس في أول الأمر آلهة مثل الشمس والقمر وغيرها مما فيه منافع مباشرة لهم ثم في مراحل أخرى متطورة عبدوا مبتكروا الفنون، والصناعات، والزراعات، فعبدوا ديمقتيرياوديمونيوس وغيرهم()، وإماكريتياس "فقد فسّر الاعتقاد الشعبي والإيمان بالآلهة على أنه اختراع من جانب سياسي محترف للسيطرة على الغوغاء عن طريق الخوف"().فمع اختلاف النظرة الفلسفية من نظرة كونية إلى إنثربولوجية() أي فلسفة إنسانية، إلا أن السفسطائية بالغت في ذلك، فربطت الفرد بذاته، وجعلته مقياس لكل شيء، وألغت كل معاني الحتمية والوحدة والشمول ودعت إلى حرية بلا ضوابط (فوضوية)، ورفضت كل الحقائق فلم يكن هناك حقائق ثابتة، فاختلطت المعاني الفضيلة بالرذيلة، والحق بالباطل، والعدل بالظلم، فليس هناك معايير، وإنما المعيار والمقياس هو النظرة الفردية الذاتية للأشياء، وهكذا طغت النسبية على كل الأمور واعتبرت الحواس أساس المعرفة وبالتالي كل المدركات صادقة وصحيحة. وبهذا انتهت السفسطائية على حد تعبير الدكتور محمد أبو ريان إلى القول بأن القوانين والعادات والأخلاق نسبية؛ لأن معيار الصحة لهذه والنظم والقوانين هو المجتمع الذي تطبق فيه، ولهذا لا يمكن أن يطالب الأخلاقيون والمنطقيون وغيرهم بمعيار مطلق للخير أو الشر أو الصواب أو الخطأ، وليس هناك معيار للجمال والقبح، وكذلك من يقيمون العدالة لا يمكنهم القول بأن هناك أساساً مطلقاً للعدالة، فالعدالة نسبية فما هو عدل عند شعب يجوز أن يكون ظلماً عند شعب آخر، والدين كذلك ليس مطلقاً وليس تحت مصدر مطلق لأي دين من الأديان، وإنما نظم تعاقدية، وضعها نفر من أذكياء البشر للسيطرة على الجماعة أخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً، فالدين كاللغة وكالقانون، وكالدولة كلها أمور تقوم على التعاقد، والإنسان منساق بطبيعته إلى التجمع والعيش في مجتمع؛ لأن حياة المجتمع تجلب للمشاركين فيها منافع أكثر من تلك التي تجليها لهم الحياة الفردية().ولهذا اعتبر ولتر ستيس "أن الاتجاه الكلي لهذه التعاليم السفسطائية هو اتجاه مدمر ومعاد للجميع"().أما أرمسترونغ() فقد رأى أن "تأثير هؤلاء قد ساعد دون شك في عملية التحلل لأنهم حطموا حرمات التقليد في عقول تلاميذهم ولم يضعوا بدلها شيئاً مناسباً"(). وهذا صحيح؛ لأن المشكلة اليونانية لم تعالج وما زالت قائمة فاليوناني في العصر السفسطائي خرج من رقّ العبودية للخرافات والأساطير إلى العبودية للأهواء والشهوات.كما أن النتائج التي توصلوا لها هي نتيجة طبيعية بالنسبة لمفكر أراد ربط الحسية بالفهم الواقعي للمعرفة كما يقول سواف().والحقيقة أن آراء السفسطائيةونتائجها بنيت على ما عايشوه في المجتمعات اليونانية وما انطبعت عليهم من انطباعات شخصية، وهي ردة فعل طبيعية ومنطقية في تلك الفترة الزمنية، فالدين وضعي مصدره القصص الشعرية والأساطير اللاهوتية والقيم تختلف بحسب الأهواء والشهوات. ويرى بعض المؤرخين أن تلك الأفكار لم تكن وليدة لتلك الظروف الزمانية والاجتماعية، وإنما هي أفكار ليست بجديدة، فمع اختلاف الأفكار السفسطائية إلا أنها جميعها صيغت من زاوية واحدة هي النفعية، فمجمل الأخلاق السفسطائية صيغت في إطار من مذهب اللذة، وهذه الفكرة أي فكرة النفعية وكمونها في اللذة المعنوية والجسدية هي فكرة مصرية قديمة، تظهر بوضوح في نصّ عازف القيثارة، ونصّ نفرحتب كذلك حيث الأفكار في هذه النصوص تدور حول اقتناص اللذة واغتنام المتعة، وإلى الشك في كل القيم باستثناء قيمة اللذة لأنها طريق السعادة().

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي