علم النفس الاجتماعي - تعريفه – موضوعه – علاقته بالعلوم الأخرى
»
»Unlabelled
»
علم النفس الاجتماعي - تعريفه – موضوعه – علاقته بالعلوم الأخرى
أولاً: علم النفس الاجتماعي (النشأة والتطور):بدأ علم النفس الاجتماعي كأي علم آخر في أحضان الفلسفة، فلو نظرنا إلى تاريخ هذا العلم لوجدنا أنه يرجع إلى تاريخ الفلسفة اليونانية.إن أفلاطون هو مؤسس معظم قضايا علم النفس الاجتماعي، وأنه كان ينظر إلى الإنسان كما لو أنه نتاج نموذج اجتماعي ما، وكان يرى أنه بالإمكان تكييف الطبيعة الإنسانية في أي اتجاه عن طريق الاستخدام المناسب للمؤسسات التربوية والاجتماعية.وكان أرسطو يرى الإنسان كائناً بيولوجياً وكان يفسر سلوك الإنسان على أساس الوراثة الحيوية أي أن الإنسان يخضع في أنماط حياته المختلفة للمؤثرات والاستجابات البيولوجية فالجماعة لديه خاضعة في مكوناتها للسلوك الفردي.في عام 1908م أصدر ويليام ماكدوجال عالم النفس المشهور كتابه في علم النفس الاجتماعي وقد تعرض فيه أيضاً لدور التقليد في تفسير تشابه السلوك بين أعضاء الجماعة الواحدة ولقد ساعد هذا الكتاب في نمو هذا العلم مساعدة كبيرة، وفي عام 1920م ظهر كتابه الثاني "العقل الجمعي" وأوضح فيه الأسس العامة والخطوط الرئيسية لعلم النفس الاجتماعي ولقد نشأت فكرة هذا العقل الجمعي من اختلاف سلوك الأفراد عن سلوك الجماعة، فقد تجنح الجماعة إلى سلوك عدائي شاذ وقد تثور وهي بسلوكها هذا تختلف عن سلوك كل فرد فيها لو كان بمعزل عنها وعن تأثيرها الجماعي ولقد افترض ماكدوجال وجود عقل جمعي عام يسيطر على سلوك الجماعات ويتميز عن مكوناته الفردية.يمكن القول بصفة عامة أن ما يميز علم النفس الاجتماعي في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عما قبله وكذلك عنه في منتصف القرن العشرين هو محاولة تحديد عنصر هام يعتبر مسئولاً عن تحديد النفسية الاجتماعية والفردية بصفة عامة، وكان هذا عند "دوركاين" هو القوة القهرية أو الإجبارية للفكر الجماعي وعند "تارد" تقليد الجماعة للأبطال كشخصيات بارزة ومختارة وعند ليبون روح الوطنية أو العنصرية وعند "وارد" الرغبة أو الأماني وعند "فرويد" الميل الجنسي وعند "سبنسر" التكيف البيولوجي وتنافس الأفراد وعند "وليم جيمس" العادات.والمرحلة الهامة الثانية في تطور علم النفس الاجتماعي الغربي تشمل الفترة التي تبدأ من عشرينات وثلاثينات هذا القرن حتى وقتنا هذا، وهذه المرحلة يطغى فيها المجال التطبيقي وينحسر مجال النظرية وإذا كانت السمات المميزة لأوائل القرن هي دراسة علم نفس المجموعات الاجتماعية الكبيرة أو دراسة علم نفس القوميات أو الجماهير مثل "تارد وفونت وسيجيل" فإن الفترة الأخيرة تركز على بحث نفسية الجماعات الاجتماعية الصغيرة والتي تقدم لنا أحياناً معطيات خاصة جداً.مع الانتشار الواسع لمدرسة السلوكيين في أمريكا في الربع الأول من القرن العشرين فإن الاهتمام كله كان مركزاً على سلوك الفرد في الجماعات الاجتماعية غير الكبيرة وعلى سلوك أفراد هذه الجماعات تدريجياً وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية فإن علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي الغربيين قد خرجوا تماماً من دراسة نفسية القوميات والكتل البشرية إلى دراسة نفسية الجماعات الاجتماعية مما يعكس العلاقة النفس اجتماعية بين الناس ففي أبحاث علماء النفس الاجتماعي في أمريكا مثل بوجاردوس ومورينو وشريف وألبورت فإن الجماعات الصغيرة تمثل منطلق أساس كل الدراسات النفس اجتماعية وهي الموضوع الرئيسي في هذه الدراسات.ثانياً: تعريف علم النفس الاجتماعي:هو دراسة الأفراد في صلاتهم البيئية المتبادلة دراسة تهتم بما تحدثه هذه الصلات البيئية من آثار على أفكار الفرد ومشاعره وعاداته وانفعالاته.علم النفس الاجتماعي عند شريف وشريف هو "الدراسة العلمية لخبرة الفرد وسلوكه في علاقتها بالمواقف الاجتماعية" ويستخدم هذان العالمان في تعريفهما لفظ الخبرة والسلوك معاً وذلك على الرغم من أن الكثيرين من علماء النفس يستخدمون أحدهما دون الآخر وكثيراً ما يقتصرون على استخدام لفظ السلوك.ويعرف مصطفى فهمي علم النفس الاجتماعي بأنه "العلم الذي يدرس سلوك الفرد في علاقته بالآخرين إذ يستطيع هؤلاء الآخرون أن يحدثوا أثرهم في الفرد إما بشكل فردي أو بشكل جماعي كما يمكنهم أن يؤثروا فيه بصورة مباشرة عن طريق وجودهم في تحاور مباشر مع الفرد أو بصورة غير مباشرة من خلال نماذج السلوك التقليدية أو المتوقعة من الناس والتي تؤثر في الفرد حتى لو كان بمفرده".ويقدم سارضت ووليامسون تعريفاً لعلم النفس الاجتماعي بأنه "الدراسة العلمية للأفراد بوصفهم أعضاء في جماعات مع تأكيدهما على دراسة العلاقات الشخصية والاجتماعية والتركيز على التفاعل الاجتماعي أي تلك العلاقة بين طرفين (فردين أو جماعتين صغيرتين أو فرد وجماعة صغيرة أو كبيرة) والتي تجعل من سلوك أي منهما سبباً لسلوك الآخر".وبالنظر لهذه التعريفات يلاحظ أنه على رغم من أن كل منها يركز على جانب أساسي باعتباره بؤرة الاهتمام في مجال علم النفس الاجتماعي فإنها تشترك جميعها في ثلاث عناصر هي:1 – أن هذا العلم هو دراسة علمية شأن الدراسات في العلوم الأخرى.2 – أن الموضوع الرئيسي لهذا العلم هو السلوك.3 – أن المواقف الاجتماعية والمثيرات الاجتماعية المتضمنة منها هي المجال الأساسي الذي يدور فيه ذلك السلوك الذي يهتم علم النفس الاجتماعي بدراسته.ثالثاً : موضوع علم النفس الاجتماعي:علم النفس الاجتماعي يدرس الصور المختلفة للتفاعل الاجتماعي أي التأثير المتبادل بين الأفراد بعضهم وبعض وبين الجماعات بعضها وبعض وبين الأفراد والجماعات وبين الكبار والصغار في الأسرة والمدرسة، بين العمال وأصحاب العمل أو بين الرؤساء ومرؤوسيهم، كما يهتم بدراسة صورة التفاعل الاجتماعي من حب وكراهية ومخاوف وتعصب وتعاون وتشجيع وتنافس، كذلك يدرس نتائج هذا التفاعل ومنها تكون الآراء والمعتقدات والاتجاهات والقيم والعادات الاجتماعية.ومن بين القضايا التي يعنى بها في الوقت الحاضر علماء النفس الاجتماعي:1 – مفهوم الطبيعة الإنسانية وإلى أي حد تتأثر الشخصية بالوسط الثقافي والاجتماعي الذي تنشأ فيه.2 – التنشئة الاجتماعية للطفل والطريقة التي تتم بها تربيته ويتحول بموجبها من طفل صغير إلى مراهق فراشد متآلف اجتماعياً.3 – دراسة المظاهر المرضية للحياة الاجتماعية مثل انحرافات الأحداث، مشكلات الجريمة والإدمان والاغتراب.4 – المواقف والآراء ويشمل هذا المجال الطرق المختلفة لقياس المواقف ثم البحث عن الآثار المختلفة المترتبة على وسائل الإعلام وأحسن طرق الدعاية واتجاهات الرأي العام.5 – التفاعل الاجتماعي وكيف يتم داخل الجماعات المختلفة الصغيرة والكبيرة.6 – القيادة وظائفها وأنواعها والتدريب عليها.7 – دراسة الميول والاتجاهات وأثرها على السلوك.8 – دراسة صور العداء بين الجماعات.رابعاً: علاقة علم النفس الاجتماعي بالعلوم الأخرى:علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم الاجتماع:إن علم النفس الاجتماعي هو نتاج امتزاج بين علم النفس وعلم الاجتماع ومن هنا تبدو الصلة قوية بين علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي فالعلم الأول يهتم بدراسة الهيكل العام للتنظيمات الاجتماعية من حيث شكلها وهيكلها العام والعناصر المكونة لهذه التنظيمات وحجم الجماعة وتماسكها، في حين أن علم النفس الاجتماعي يقصر دراساته على التفاهم الذي يتم داخل هذه الجماعات وكيف يصبح الفرد متطابقاً اجتماعياً وكيف يمتص الاتجاهات النفسية والاجتماعية السائدة في هذه المجتمعات وكيف يؤثر الفرد بدوره على سلوك أفراد الجماعة التي يعيش فيها فكل من العلمين يهتم بعناصر مختلفة من واقع لا يتجزأ فالأفراد لا يمكن فهمهم بعيداً عن علاقاتهم بعضهم ببعض والعلاقات لا يمكن أن تفهم جيداً بعيداً عن وحدات العلاقة وهكذا تبين لعلماء النفس استحالة إقامة حدود فاصلة تماماً، فما يكادون يقتربون من الحقيقة الإنسانية حتى يجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام المظهر النفسي والاجتماعي معاً.علاقة علم النفس بعلم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان):إن الموضوع الرئيسي لهذا العلم هو وصف أشكال السلوك في الحضارات المختلفة، والأنماط المختلفة من السلوك والتفكير والمعاملات التي اصطلحت عليها الجماعة في حياتها والتي تناقلتها الأجيال المتعاقبة عن طريق الاتصال والتفاعل الاجتماعي لا عن طريق الوراثة البيولوجية.ولقد حدد مصطفى سويف الفائدة التي يمكن أن يجنيها علم النفس الاجتماعي من الاطلاع على الدراسات الخاصة بعلم الأنثروبولوجيا في ثلاث جوانب:1 – إدخال العنصر الحضاري كمتغير مستقل في تصميم التجارب العلمية.2 – اعتبار العنصر الحضاري متغيراً مستقلاً في مجموعة من المشاهدات المضبوطة التي يجريها الباحث على عدد من الحضارات باعتبارها تجارب على التاريخ.3 – التنبيه إلى مشكلة خفية هي كيف يتم نقل العناصر الحضارية أثناء عملية التطبيع.علاقة علم النفس الاجتماعي بالدراسات الاقتصادية:الاقتصاد هو الدراسة العلمية لمجموعة من الظواهر الاجتماعية التي تدور مباشرة حول تدبير ثورة المجتمع المادية ومركز الاهتمام في دراسات الاقتصاد ينصب على بعض ظواهر النشاط الإنساني في المستوى الفردي.إن علم النفس الاجتماعي يفيد من دراسات الاقتصاد في زيادة التبصر بمقومات الموقف الاجتماعي الذي يحيط بالفرد ويتدخل بصورة أو بأخرى في تشكيل تفاعلاته الاجتماعية.علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم النفس العام:هدف علم النفس العام هو اكتشاف قوانين السلوك التي لا تتأثر بالفروق في التنشئة الاجتماعية مثل القوانين الأساسية في الدافعية والإدراك والتعلم والتذكر والتفكير والتي تصدق على كل البشر بصرف النظر عن البيئة الاجتماعية أو الثقافية التي يعيشون فيها أي ينظر إلى الفرد مجرداً.وحيث أن علم النفس الاجتماعي يعالج سلوك الفرد بالنسبة للمثيرات الاجتماعية فإننا نجد أن ما هو غير هام بالنسبة لعلم النفس العام يصبح هاماً جداً بالنسبة لعلم النفس الاجتماعي الذي يدرس السلوك الإنساني في المواقف الاجتماعية.وعلى ذلك فعلم النفس الاجتماعي مكمل ضروري لعلم النفس العام وأن الإطلاع على دراسات علم النفس العام من شأنه أن يذكرنا بأهمية عوامل البيئة الفيزيقية في بعض مواقف الحياة الإنسانية وهذا من شأنه أن يساعدنا على وضع العوامل الاجتماعية المؤثرة في السلوك في موضعها الصحيح دون مغالاة في أهميتها.علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم النفس الفسيولوجي:تشير الدراسات التي تناولت الشخصية من ناحية العوامل التي تساهم في إكسابها سمات سلوكية معينة إلى ضرورة الاهتمام بالدور الذي تعلبه الغدد الصماء وما تفرزه من هرمونات بصورة مباشرة في الدم وحيث تساهم في تحقيق التكامل الوظيفي بين أعضاء الجسم المتباعدة، كما أنها تؤثر على سمات الشخصية، على سبيل المثال فإن هرمون الغدة الدرقية الذي يؤدي انخفاض نسبته في الدم إلى تغيرات في الصورة العامة للشخص فيصبح من الناحية العقلية كثير النسيان وتقل قدرته على تركيز الانتباه وبفقدان القدرة على حل المشكلات.والواقع أن الكثيرين يبالغون في الدور الذي تقوم به الاضطرابات الفسيولوجية في حياتنا بنفس القدر الذي يبالغ فيه البعض بدور العوامل الاجتماعية في حياتنا والصواب هو النظر إلى تلك العوامل في إطار تفاعلي بمعنى أن هناك تفاعلاً بين العوامل الاجتماعية وبين الحياة العضوية للفرد وأن السلوك هو محصلة التفاعل بينهما.علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم نفس النمو:يهدف علم نفس النمو إلى دراسة تطور سلوك الفرد في مراحل عمره المختلفة ابتداء من المرحلة الجنينية مروراً بمرحلة الطفولة فالمراهقة فالرشد حتى الكهولة والشيخوخة ويحاول الباحث المختص في هذا الفرع من فروع علم النفس دراسة الأشكال التي تتشكل بها مظاهر السلوك المختلفة في كل مرحلة عمرية وكيف تنشأ هذه الأشكال بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه العوامل المختلفة من بيئة ووراثة ونضج في تحديد هذه الأشكال.وتدل الدراسات التي تمت في مجال علم نفس النمو على أن تأثير البيئة بما له وما عليه محدود بمستوى النضج ويظهر تأثير البيئة الاجتماعية بوضوح في دراسات النشاط اللغوي ولم تقتصر إفادة علم النفس الاجتماعي من دراسات علم النفس النمو حول الحدود التي ينبغي أن يلتزموا بها بل في دراسات التنشئة الاجتماعية وهو من أهم موضوعات علم النفس الاجتماعي إن لم يكن أهمها.علاقة علم النفس الاجتماعي بالصحة النفسية:أصبح مفهوم الصحة النفسية مرتبطاً ارتباطاً كبيراً بالقدرة على التكيف مع نفسه ومع ظروفه التي يحيا فيها وتشمل هذه الظروف النواحي المادية والنواحي الاجتماعية ومن هنا فإن العلاقة بين العلمين قائمة طالما أن قدرة الفرد على التكيف والتي تعتبر الأساس الأول للصحة النفسية تعتمد اعتماداً كبيراً على ظروف الإنسان الاجتماعية وقد أدى هذا الوضوح في تأثير الجانب الاجتماعي على شخصية الفرد إلى ظهور النظرة الاجتماعية النفسية الجديدة في الشخصية على يد أدلر وهورني وفروم وسوليفان ورغم أن هؤلاء جميعاً من أتباع فرويد إلا أنهم قدموا هذه النظرة الجديدة احتجاجاً على قصور مفهوم فرويد عن دور الظروف الاجتماعية في نمو الشخصية الإنسانية بل أن سوليفان يكاد يطابق بين علم النفس الاجتماعي وعلم الطب النفسي العام إذ يرى أن الأخير يقوم أساساً على العلاقات الشخصية المتبادلة.ودراسة أسباب الأمراض النفسية يكشف بوضوح الدور الذي تعلبه العوامل الاجتماعية، ودراسة أعراض الأمراض النفسية تظهر خطورة الأعراض الاجتماعية، ويعتمد التشخيص على دراسة الجوانب الاجتماعية والسلوك الاجتماعي للمريض والعلاج النفسي يتضمن العلاج الاجتماعي والعلاج الجمعي.
اجعل مدونتك افضل مدونة مع التصاميم المجانية و الاضافات الجديدة و الدعم الفني المجاني فقط على منتديات
اتقان بلوجر
0 التعليقات :
إرسال تعليق