الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

  التسول كظاهرة اجتماعية  بالمغرب اسبابها والنتائجها

علماء الاجتماع يرون أن التسول واحد من أبرز الأمراض الاجتماعية وبالتالي يضعونه في مصاف " الظاهرة" الاجتماعية التي قد لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات..وقدتبرز هنا بعض الخلافات حول هذا التوصيف في عدة جوانب، ربما أبرزها ينصب على وصف الحالة بأنها " مرض " وعلى قصر الصفة الاجتماعية وحدها على وصف الظاهرة. هل معنى ذلك أن التسول يمكن أن يكون " ظاهرة ثقافية " مثلا، أو " ظاهرة سياسية" أو اقتصادية أو غيرها؟ قد يساعدنا على تصور الأمر أن نتأمل أولا رؤية " التسول " نفسه لهذه الممارسة .


أولا قد نتفق مع الذين يقولون إن المتسول يبدأ مشروعه في الاستجداء تحت وطأة الفقر والعوز الى الحد الذي لا يحتمل، وإن كان الأمر لا يكون هكذا بالضرورة دائما، فالمتسول ما أن يبدأ خطوته الأولى على مسار الاستجداء ويظفر بشيء ذي قيمة حتى يتغير احساسه بممارسته وشعوره بذاته ... فهو قبل البداية قد يتردد من فضح نفسه بوضعية النقص والعوز أمام الملأ، ولكنه بعد التجربة تتغير نظرته للأمر، اذ سرعان ما يدرك أن فقره هو حقيقة "رأس ماله " الذي يستثمره ويكسب منه لقمة عيشه أولا ثم يكون منه ثروته في نهاية الأمر، ومن هنا يتغير موقفه، فبدلا من محاولة التستر بدرجة ما على حقيقة فقره يجد أنه من المطلوب أن يظهره ويبالغ فيه الى الدرجة التي يراها مقنعة للآخرين، تماما مثلما يزين التاجر سلعته وهو يعرضها للبيع، والغش وارد في الحالين، مع المتسول ومع التاجر، غير أنه في حالة التسول أعظم وأشد اذ هو جزء مهم من رأس المال..

في بعض الأحيان يشعر المتسول أنه ليس فقيرا بالدرجة التي تضمن له العائد المطلوب، أو أنه – صحيا - ليس عاجزا ومقعدا للدرجة التي تقنع زبائنه المستهدفين من أصحاب القلوب الطيبة، ولهذا يلجأ الى " القروض " الميسرة، ليس من بنوك الأغنياء بل من بنوك المتسولين، فهناك دائما "متعهدون " يقرضون للمتسول أطفالا عجزة أو كبارا مرضى بفائدة يومية تختلف نسبتها حسب الحالة، فكلما بدا الطفل شديد الاعتلال موشكا على الاحتضار كلما علت نسبة الفائدة لتصل أحيانا الى أكثر من نصف العائد.

1- تعريف التسول

تعتبر مسألة التسول إحدى المشكلات الاجتماعية في العالم, وتختلف نسبة المتسولين من بلد إلى آخر حسب عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية, ولا يختلف اثنان بأن التسول من العادات السيئة في أي مجتمع من المجتمعات، حتى إذا أردت أن تنعت شخصاً بأقبح الصفات فإن كلمة متسول تأتي ضمن الكلمات المعبرة.

ان كثيراً من حالات التسول لا تعني في الحقيقة ان المتسول في حاجة إلى المال أو هو عاجز عن العمل بل هي نوع من الخداع والدجل والتضليل والكسب غير المشروع، كما ان ضعف نفوس بعض المتسولين قد دفعهم إلى هذا العمل المشين, ولقد رأينا وسمعنا قصصاً غريبة وعجيبة تدل بأن التسول هو عرض لمرض في نفوس المتسولين، ومن الحالات التي لفتت نظري في الآونة الأخيرة شاب قوي في الثلاثين من عمره يحمل معوقاً فوق ظهره في أحد المساجد ويطلب المساعدة وقلت في نفسي ان المشقة التي تأتي من العمل الشريف أقل من حمل هذا المعوق من مكان إلى آخر, ورجل آخر لا يقل قوة وعنفواناً من الأول أخذ يحث المصلين على البذل والعطاء وكان يذكرهم بأن الحسنة بعشر أمثالها وأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ولما رأى الناس ينصرفون عنه تغير اسلوبه في التسول محذراً المصلين بان يتقوا ذلك اليوم.

مثال أخر منذ عدة سنوات قرأنا في الصحف حادثة غريبة، سيدة معدمة، " غلبانة " كما يطلق عليها الناس في الشوارع التي تمارس فيها نشاطها، الجميع يساعدونها ويعطفون عليها بما في ذلك رجال الشرطة حتى وان كانوا مكلفين بمحاربة التسول، وذات يوم كان أحد رجال الشرطة يرقبها بألم وهي تجر رجليها الى أن انعطفت في شارع جانبي فلاحظ أنها تعبث بسيارة "مرسيدس " أوقفها صاحبها فيه وتحاول أن تفتح بابها – للسرقة ربما – فاندفع اليها. وجدت المرأة نفسها في ورطة، وعلى الفور انتصب ظهرها المحني بصلابة لتواجهه بأوراق ثبوتية تؤكد أنها سيارتها، تتركها في هذا الشارع الجانبي الى أن تفرغ من العمل فتعود اليها تبدل فيها ملابس " الشغل" وتنطلق الى عمارتها الملك كسيدة مجتمع.. وهناك قصص كثيرة عن المتسولين الأغنياء الذين يحرمون أنفسهم من كل شيء وينعم بثروتهم بعد الموت عابر سبيل..

لا شك أن التسول هو مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعي يمكن أن يسيء للوطن والمواطنين، ولقد كثر المتسولون والمتسولات في المساجد والطرقات، اضافة إلى تواجدهم المزمن داخل الحرمين الشريفين، ولا يساورني ادنى شك بأن اغلب المتسولين هم من غير المواطنين وربما جاءوا إلى المملكة لهذا الغرض, واعتقد اننا بحاجة إلى دراسة أسباب هذه المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها, كما أن لتظافر وتكاتف جهود الجهات المعنية بهذه المسألة كمكافحة التسول والضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية دور رئيس في حل هذه المشكلة، فالوافد يعاد من حيث أتى والقادر على العمل يسهل له الطريق إليه والعاجر يساعد بطريقة حضارية، أما ضعاف النفوس غير المحتاجين فهم مرضى ينبغي معالجتهم عن طريق النصح والارشاد والتوجيه ومن لم يرتدع منهم فالعقاب الرادع ينبغي ان يطبق عليهم.

2 - أسباب التسول 

يبـدو أن لجــوء هاتـه الفئـة من المجتمـع إلى التسول لـم تأتي من فـراغ، وإنمـا هنـاك مجموعـة من الظروف هـي التي فعلــت فعلهـا في الفرد، جعلتـه يختـار هـذا الطريـق لكسـب قوت يومـه، وإذا تفحصنـا مليـا في عمـق هـذه الظاهرة، سنجـد أن الدوافـع الحقيقيـة يمكـن تلخيصهـا فيما يلـي:

- الإنتشــار المتزايـد لآفـة الفقر المذقـع في أوسـاط المجتمـع، وشعـور الفرد بالتهميـش والحرمـان والإقصـاء .
- انتشـار ظاهـرة البطالـة التـي تعاني منهـا المجتمعـات بشكـل كبيـر،نتيجـة لإرتفـاع الكثافـة السكانيـة .
- غياب ثقافـة التضامن والتكافـل بيـن أفـراد المجتمـع، وكذلك غيـاب العدالـة الإجتماعية.
- النمو السريـع التـي تشهـده ظاهــرة الهجـرة من البوادي والمداشـر النائيـة إلـى المدن، للبحــث عن ظروف عيش أفضـل، خصوصـا بعـد الفترات المناخية الجافـة التي عرفتهـا القرى، ممـا جعـل المدن تعرف تضخمـا سكانيـا كبيـرا، ظهـرت معـه أحيـاءا ريفيـة بضواحـي المدن الكبـرى.
- المشاكــل التي تعرفهـا الأسر والعائلات بسبب المشاكــل الإقتصاديـة والإجتماعيـة الناتجـة عن ارتفـاع معـدل الطـلاق، والتـي أحدثـت طفـرة في التنظيـم الأسـري، يخـرج معـه الأطفـال وأمهاتهـم إلـى التسكـع في الشوارع.
- الإنقطـاع المبكـر عن متابعـة الدراسـة داخـل المؤسسـات التعليميـة لضعـف الإمكانيــات الماديـة للأسـرة، فيلجأ معـه الكثيـر من الأطفـال والشبـاب إلى اختيـار طريـق الإنحـراف والتشرد، وقتـل شبابهـم في المقاهـي والأزقـة، فتنحـل معـه الأســرة وبالتالـي انحـلال في إحــدى البنيــات الأساسيـة للمجتمـع

3 - النتائــج المترتبــة عن التعاطــي للتســول 

إن نتائــج التســول عديـدة ومضاعفاتهـا خطيـرة لا على الفرد فحســب، بل تأثيرهـا يصـل حتى للمجتمــع، سواء على المستـوى الإقتصـادي أو السيكولوجـي، وتبقـى أهـم هـذه المضاعفـات تتلخـص فيمـا يلـي:
- الإنحـراف بشتـى أنواعـه سـواء على المستـوى الأخلاقي والفكـري، فنجـد كثيـر من المتسوليـن يلجأون إلـى التعاطـي للمخدرات، نتيجـة للإحباطـات النفسيـة الــذي يحدثـه الفقـر والحاجـة .

- تنامـي ظاهـرة الإجـرام داخـل المجتمـع مما يسبب تهديـدا وإخـلالا بالإستقـرار والأمـن العام، فأصبحـت عصابـات منظمـة تقـوم بعمليـة السرقـة والنصب والإحتيـال والإعتـداء على ممتلكــات المواطنيـن .

- انتشــار الفوضى والإضطـراب في شوارع المدينـة وفي الأماكـن العموميـة، الأمـر الـذي أصبـح يمــس سلامـة الأفـراد.

ومن خـلال تقييـم لهذه النتائـج يتضـح لنـا بوضـوح مـدى خطورة هـذه الآفـة على العلاقـات الإجتماعيـة الأساسيـة، بدءا من مؤسسـة الأسـرة والمدرسة ووصـولا إلى الدولة، أن تنهـض وتعمـل جاهـدة أملا في القضاء على هـذه المعضلة التي تهـدد تماسـك البنيـات الإجتماعيـة، 
فمـن الحديـث النبوي الشريـف يتضـح أن الكل يتحمـل مسؤوليتـه بحسـب مكانتـه في المجتمـع، لإيجـاد حـل نهائـي وفعال يوقـف انتشـار هـذه الظاهـرة السلبيـة، أو على الأقــل التخفيف من خطورتهــا.

4 - احصاءات وارقام

كشفت دراسة حديثة ان نحو 500 الف شخص يمتهنون حرفة التسول في المغرب بصفة دائمة أو مؤقتة بسبب الفقر. وتناولت الدراسة ظاهرة تسول الاطفال الذين تقل اعمارهم عن 12 سنة من خلال ثلاث فئات من الاشخاص. شملت الفئة الاولى أطفالا تقل أعمارهم عن سبع سنوات ويتسولون مع مرافقين لهم (نحو 273 طفل). وضمت الفئة الثانية أطفالا ما بين ثماني سنوات و12 سنة يتسولون دون مرافقين (نحو 230 طفل) واما الفئة الثالثة فكانت من غير المتسولين لمعرفة ارائهم حول الظاهرة (289 شخص). أجرت الدراسة سنة 2004 الرابطة المغربية لحماية الطفولة وهي منظمة غير حكومية وبتعاون مع مديرية التعاون الوطني وبدعم تقني من وزارة الصحة المغربية. وشملت الدراسة مدينة سلا والعاصمة الرباط وضاحيتها الصخيرات وتمارة. وأوضحت الدراسة ان الاسباب الرئيسة التي تدفع هؤلاء الى التسول تتمثل في المشاكل الاجتماعية المترتبة على الطلاق او تخلي الوالدين والاهمال أو غياب أو وفاة الوالدين وسوء المعاملة والتحرش الجنسي بالاضافة الى عوامل ثقافية تتمثل في التعود على التسول او الانتماء الى عائلة تحترف التسول. ويشكل الذكور منهم 56 في المئة والاناث 44 في المئة تربطهم بالمرافقين في الغالب علاقة عائلية واغلبهم من نساء غير متعلمات. وقال 15 في المئة من المرافقين انه يستأجرون الاطفال لمزاولة نشاطهم مقابل ما يتراوح بين 50 درهما (نحو 5.90 دولار) و100 درهم في الاسبوع. وتحصل الغالبية العظمى من المتسولين على 50 درهما في الاسبوع بينما يحصل الربع منهم على 100 درهم. وأفادت الدراسة ان ثلثي الاطفال يعانون من امراض مزمنة كالسكري وضغط الدم والحساسية والربو وداء السل وفقر الدم وان 27 في المئة من بين المصابين قاموا باستشارة طبية وان الخمس منهم فقط تمكنوا من متابعة العلاج. وقال 77.1 في المئة من الاطفال الذي شملهم البحث ان التسول يساعد على امتلاك النقود واعترف 4.10 في المئة بان التسول يولد لديهم شعورا بالكآبة بينما قال 8.7 في المئة انهم يشعرون بالتعب مقابل 2.6 في المئة قالوا انه يشعرهم بالابتهاج. واضافت الدراسة ان ثلثي الاطفال تتراوح اعمارهم ما بين 11 و12 سنة ولم يسبق لنسبة 25 في المئة منهم الالتحاق بالمدرسة. 

5 - بعــض الحلول للحــد من استفحـال ظاهــرة التسول بالمغــرب

إن الواجــب يحتـم على الجميــع بـدل الجهـود لإيجــاد حل نهائــي لهــذه الظاهـرة الإجتماعيــة المشينــة، التي انتشرت جذورهــا في المجتمـع المغربــي، وأضحـت حالـة لا تحتمـل أمام الزوار والأجانـب القادميــن إلى المغرب، يجـب على المسؤوليـن من جمعيـات خيريـة ووزارة التشغيــل والتنميـة الإجتماعيــة لمكافحــة الفقـر و بالتالـي التوصل لعــلاج فعـال للتسول التـي أساءت إلــى المجتمــع المغربـي، وقبـل البحـث عـن حل للظاهـرة يجـب قبـل كل شيء معرفة الأسبــاب الناتجــة عن هــذه الآفــة، التي تعــوق التقدم والإزدهــار وانعكاساتـه خطيــرة على المجتمــع ككل، فما هــي المقاربـة الإجتماعيــة التي اعتمدتهــا الدولــة لمحاربــة التسول؟ وهــل الإكتفـاء ببنــاء الملاجىء الخيريـة ودور الأطفــال والعجــزة وحــده كفيـل لإيواء هؤلاء المحتاجيــن والمتشرديــن؟

وفي هـذا الصدد قــال وزيـر التنميــة الإجتماعيــة والأسـرة والتضامن المغربـي عبد الرحيم الهروشـي، في رده علــى سؤال آنـي بمجلــس النواب ليوم الأربعــاء 11 اكتوبـر2004، إن الحكومـة اعتمدت مقاربة اجتماعيـة في برنامــج محابة استغـلال الأطفـال في التسول. وذلـك في إطـار سياستهـا العامـة الرامية إلى محاربـة الفقـر والتهميـش. وأوضــح أن هــذا البرنامـج بـدأ تطبيقــه بمدينــة الدار البيضــاء وسيتـم تعميمـه على باقـي المناطـق، علـى أن يتـم في مرحلـة لاحقـة إعمـال الآليـات القانونيــة الكفيلـة للحــد من هــذه الظاهـرة. وأضـاف أن هــذا البرنامـج يقوم على عـدة محاور منهـا علـى الخصوص, إدمــاج الأطفــال الذيــن يتـم استغلالهـم في التسول مدرسيـا وتربويـا، والإدماج التربوي للذيــن يستغـلون هؤلاء الأطفــال بالإضافـة إلـى إشــراك فعاليـات المجتمـع المدنـي لتطبيـق هــذا البرنامـج، مشيـرا في هــذا السيــاق إلـى أنـه تم التوقيــع علـى 35 اتفاقيـة شراكــة مـع فعاليـات اجتماعيـة مختلفــة لتحقيــق هــذا الهــدف .

كمــا أعلــن الوزيــر أنـه سيتــم تفعيـل البرنامـج الإجتماعـي للقــرب في مجـال الفقر، حيــث ستعطـى الإنطلاقـة ل 1816 مشروعـا للقـرب بتكلفـة 320 مليون درهـم تهـم البنيات التحتيـة والخدمــات الإجتماعيـة والأنشطـة المدرة للدخـل وإدمــاج الأشخـاص في وضعيــة صعبـة. وأوضــح السيــد الهروشــي في معرض رده على سؤال شفوي بمجلـس المستشاريـن يومـه الثلاثـاء 23 نونبـر 2004 حول ظاهــرة التسول، أن المغـرب رصـد مبلغ 20 مليون درهم لبـرنامج الحـد من آفـة التسـول برسـم 2005. 


اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي