الجمعة، 9 ديسمبر 2016

الاختلاف والتماثل الثقافيان : رؤى انثروبولوجية الدكتورعبد القادر بوطالب

الاختلاف والتماثل الثقافيان : رؤى انثروبولوجية
الدكتورعبد القادر بوطالب 


لم يكن ممكنا أن يظهر ويتطور البحث الانثروبولوجي لولا وجود ظاهرة التنوع الثقافي : تنوع الأديان واللغات والأجناس وغيرها، ذلك أن انه حينما يطرح التنوع والتعدد ، فان ذلك لا يكون ممكنا إلا باستحضار الذات في مواجهة الآخر المختلف، و بالتالي فكل محاولة يتوخى فهم الآخر والتعرف عليه تنطلق من اعتبار الآخر قد يكون مصدر خطر أو تهديد سواء كان فعليا أو محتملا ،أو على الأقل إن ثمة مسؤولية أخلاقية تقتضي ذلك، وبالتالي فان كل فهم من هذا القبيل ـ من الناحية العلمية ـ لن يكون بالبراءة المطلقة سواء في مبتغاه أو وسائله.
يمثل التنوع الثقافي–بهذا المعنى– مشكلة، إذ قد يكون سببا في النزاعات، والحروب، وعليه يصبح التماثل والتشابه مطلبا ومبتغى، لكن أليس في التماثل والتشابه تكريسا للجمود والرتابة؟ بينما في الاختلاف والتعدد غنى وثراء، بما يخلق من إمكانيات تسمح بالإبداع والابتكار، إذ– رغم ما يترتب عليه من مشاكل، إلا انه ليس ـ بالضرورة ـ ظاهرة سلبية ؟.
تشكل ظاهرة الاختلاف الثقافي واقعا أساسيا، لا يمكن أن نستثنى منه أي مجتمع إنساني، بل يمكن ان ننظر إليه بوصفه ظاهرة طبيعة( ) ، ويصاحب هذا الواقع نزعة التمركز حول الذات ethnocentrisme، فكل جماعة بشرية تنكمش حول ذاتها ،وتعتقد إنها الأصل في الحضارة،وإنها مصدر كل شيء يتميز بالايجابية ،بينما تلصق بباقي العالم وباقي الجماعات كل صفات التخلف والسلبية.
يحكم هذا التصور كل الجماعات البشرية بدون استثناء ، حيث يشكل ذلك موقفا وشعورا كونيا( ) تتقاسمه كل الشعوب ، وتشترك فيه مختلف الثقافات، ويؤثر في كل العلاقات التي يمكن أن تنتظم أو تنشأ بين مختلف الأجناس والشعوب مما يتولد عنه شعور من العداء والكراهية، والذي قد يشتد في فترات تاريخية بعينها و قد يخفت في فترات أخرى غير أن جذوته لا تنطفئ ، إذ تجد ما ـ على الدوام ـ يوقظها .
تظل النظرة إلى الآخر المختلف تتسم بالدونية والاحتقار، فالآخر كان بالنسبة للإنسان الغربي مجرد حيوان حينما ظهرت الانثروبولوجيا الفيزيائية، وأصبح بدائيا أو متخلفا حينما ازدهرت الاكتشافات والحركات الاستعمارية ( )، وفي أوقات أخرى ،أصبح كافرا وفي غيرها أصبح إرهابيا وهكذا ،ونفس الأمر ينسحب على الذات في نظرتها للآخر .
نستطيع القول ـ إذن ـ إننا بصدد وضع يتميز بنوع من الحتمية، وضع شبيه بالقدر الذي لا مفر منه، لكن مع ذلك يمكن نتساءل: كيف نستطيع أن نزيل مثل هذا التصور المقترن بظاهرة الاختلاف الثقافي ؟ و كيف يمكن أن نقارب ظاهرة الاختلاف والتشابه أو التماثل الثقافي ؟
تقدم الانثروبولوجيا – في هذا السياق – رؤى متقدمة يمكن الانطلاق منها لبناء تصورات تسمح بربط الجسور بين مختلف الثقافات ، فإذا كانت ظاهرتي الاختلاف والتنوع هي الظاهرة التي شدت إليها انتباه الباحثين في ميدان الأنثروبولوجيا ، وشكلت بذلك المنطلق الأول للبحث الانثروبولوجي ، فان ظاهرة التماثل والتشابه لم تكون غائبة كليا ، غير أن الفروق بدت واضحة للعيان أكثر، وبالتالي هي التي كانت موضوعا للبحث.
لا يمكن مقاربة ظاهرتي التشابه والاختلاف إلا بالانطلاق من اعتبارهما عنصرين متداخلين لا يمكن الفصل بينها، فالتشابه يمثل الأصل، بينما الاختلاف سمة تكتسب في سياق علاقة الإنسان بالطبيعة ومختلف الاشتراطات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وغيرها.
تتماثل الثقافات الإنسانية فيما بينها ، وهي قد تكون كذلك من حيث النشأة ، إذ نستطيع أن نعاين العديد من القواسم المشتركة فيما بينها ، بحيث يمكن إرجاع الاختلاف إلى تنوع وتعدد أوضاع الأفراد والجماعات. لذلك ومن هذه الزاوية نستطيع الجزم أن الاهتمام بظاهرة التماثل أو التشابه الثقافي – وان لم يحظى بنفس القدر من الاهتمام والبحث بالمقارنة بظاهرة الاختلاف –قدم رؤى متقدمة ، بالإمكان الارتكاز عليها لإعادة فهم ومقاربة الثقافات الإنسانية في اختلاف وتشابه ظواهرها.
أكدت الكثير من الأبحاث في حقل الانثروبولوجيا أن ظاهرة التشابه والتماثل الثقافي تمثل السمة الأساسية في الثقافات الإنسانية ،وقدمت بهذا الخصوص مقاربات جديرة بالتأمل والدراسة ، وقد شكل تبني مفهوم النمط الثقافي العام نقطة مفصلية في هذه المقاربات،والذي يشير إلى وجود مقام مشترك للثقافات ، أو بعبارة ان هناك نظام موحد من التصنيف، والذي ينسحب على كل الثقافات ،بحيث إن كل الثقافات والشعوب تشترك في هذا النمط الثقافي العام ،بل إن هذا النمط قد يكون متماثلا حتى حينما يتعلق الأمر بالمحتوى ،بينما يكون الاختلاف في بعض التفصيلات والأجزاء( ).
أحصى الباحثون في هذا السياق الكثير من عناصر التشابه والتماثل، والتي قام عليها النمط الثقافي العام ، حيث أكدت الأبحاث والدراسات أن النمط الثقافي العام سمة أساسية لا نجد ثقافة تخلو منها على سطح الأرض ، إذ يمكن أن نسوق العديد من الأمثلة، فليس هناك ثقافة تجهل الألعاب الرياضية أو الفنون، ونفس الأمر ينسحب على تحريم أنواع معينة من الأطعمة أو منع زواج المحارم واللغة والقانون والسحر والزواج والطبخ وقوانين الإرث وشعائر الجنازات والقيود المفروضة على الجنس و تقديم الهدايا و الشعائر الدينية و غيرها .
وبالفعل ، إذا ما تأملنا هذه العناصر وغيرها وجدنا أنها تتواجد في كل الثقافات غير أنها قد تختلف من حيث المحتوى، بل وفي بعض الحالات يمكن أن نلاحظ أن التماثل والتشابه قد يكون كليا ، ويشمل حتى التفاصيل ،وهكذا إذا ما أخدنا ـ على سبيل المثال ـ المراسيم الجنائزية ، سنجد إن كل الثقافات تعرف مراسم تقترن بالموت، لكنها تختلف من حيث المحتوى الذي تتم به هذه المراسم ، إذ نجد اختلافا في التعبير عن الحزن والحداد وكذلك فيما يتعلق بوسائل التخلص من الجثة و إذ قد يكون ذلك بالدفن أو الحرق وغيرها من التفصيلات الأخرى .
كيف – إذن – يمكن أن نفسر وجود أنماط ثقافية عامة تشترك فيها كل الثقافات ؟وكيف بمكن نفهم وجود الكثير من الاختلاف في ترجمة هذه الأنماط كممارسات؟ أو بعبارة أخرى كيف يمكن أن نفهم التشابه الثقافي من خلال وجود نمط ثقافي عام؟ وكيف يمكن أن نفسر الاختلاف في المحتوى والتفصيلات وان كان بالإمكان أن نعاين التماثل حتى في هذا المستوى ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يمكن الانطلاق من تفسيرين :
يستند التفسير الأول على القول بوجود وحدة ذهنية مشتركة عند بني البشر، فالإنسان – أينما وجد وتواجد –تحكمه نفس الدوافع والغرائز،وبالتالي فانه بتصرف بنفس الطريقة، وتصدر عنه نفس الأفعال والأعمال، بحيث إننا إزاء دوافع أساسية تفرض بحثا حثيثا بهدف إشباعها،فشمولية الحاجة الجنسية ـ مثلا ـ تقابلها شمولية العائلة وشمولية القلق تقابلها المؤسسة الدينية ( ) ، بيد ان الإشباع يختلف حسب الظروف واشتراطات المحيط ، وبالتالي فان الاستجابات لن تكون متشابهة وان صدرت عن دوافع أساسية ومتشابهة، فالثقافة – إذن –تتشكل من استجابات لهذه الدوافع بحيث تكون حلولا بديلة لمشكلات أوجدتها الطبيعة وتكون وظيفتها تسهيل إشباع هذه الدوافع ، فالثقافة ليست معطى غريزيا ، بل إنها تكتسب وتتشكل كاستجابات ،وعليه فان السمة الأبرز للثقافات تكمن في التماثل لوجود دوافع أساسية متشابهة، تحفز الناس وتوجه سلوكاتهم ، لكن البحث أكد على ضرورة الانتباه إلى الدوافع المكتسبة والتي تلعب نفس الدور،والتي – في بعض الحالات – يصبح إشباعها أهم من الدوافع الأساسية ( )..
يأخذ الاتجاه الانتشاري بالتفسير الثاني, وقد عرف عن هذا الاتجاه باهتمامه الكبير بالثقافة، وانطلق في بدايات ظهوره من فكرة أساسية و هي أن هناك مركزا كونيا لكل الثقافات ، ومنه انتشرت إلى باقي أرجاء العالم، وهذا – بطبيعة الحال – ما يفسر في نظرهم التشابه والتماثل الثقافي وذلك من خلال الاحتكاك والاقتباس والهجرات، لكن الانتشارية لم تعد لها نفس الوجاهة العلمية وبالخصوص في صورتها المتطرفة ، إذ استبدلت بتعدد وتنوع المراكز الثقافية ، وكما هو واضح فان هذا الاتجاه يحاول ـ في العمق ـ أن يشرعن الرسالة الحضارية mission civilisatrice الملقاة على القوى الكبرى اتجاه باقي العالم .
انصب اهتمام هذا الاتجاه حول هجرة وانتقال السمات الثقافية من مجال ثقافي لآخر من خلال تتبع التغيرات والتحولات التي تطرأ على هذه السمة أو تلك ،حيث يمكن أن نعاين التماثل والاختلاف في نفس الوقت ، إذ يرجع التشابه إلى انتقال الثقافات وهجرتها من مجال ثقافي لآخر، بينما يتم إرجاع الاختلاف إلى الصيغة التي تتخذها هذه السمة أو تلك وهي تنتقل مجال ثقافي إلى لآخر( ).
تعرض مفهوم المجال الثقافي leaire culturel بوصفه أحد أهم المفاهيم الأكثر تداولا في الاتجاه الانتشاري لانتقادات شديدة ،والذي يشير التماثل الثقافي الموجود في مجتمع معين،وذلك لاستحالة القول بوجود ثقافة ما في حالة من النقاء الخالص culture ( ) pure إذ أن كل الثقافات هي في حالة من التحول والتطور الدائمين نتيجة ما يمكن أن ننعته ـ على حد تعبير جورج بلاندييه ـ بآليات الداخل وآليات الخارج les ( )mécanismes de dedans et mécanismes de dehors.
أصبح ـ إذن ـ من هذه الزاوية من غير المقبول علميا الانطلاق في مقاربة الثقافات من مفهوم العزلة الثقافية isolat culturelle،ذلك أن عمليات الاحتكاك والتفاعل والاقتباس بين الثقافات ظاهرة يصعب تجاهلها أو إنكارها، وبالتالي فان التماثل والاختلاف الثقافيان أصبح يطرحان بأسئلة جديدة لا تسمح فقط بمقاربة السمات الثقافية كما هي في هذا المجال الثقافي أو ذلك، ولكن بفهم مجمل العمليات التي تتحكم في الانتشار الثقافي diffusion culturelle، وبالخصوص في ظل المجتمعات الحديثة.
وبالفعل عقدت العولمة بشكل جذري ظاهرة الاختلاف والتماثل الثقافيان، بحيث أن مفهوم العزلة الثقافية أصبح متجاوزا فنحن لا نستطيع أن نفهم أين يبدأ التماثل ولا أين ينتهي، ولا أين يكمن الاختلاف في الكثير من السمات الثقافية.ولكن ومع ذلك يمكن أن نسجل إحدى أهم المفارقات التي أفرزتها العولمة ذلك أنها تعمل على تكريس نمط ثقافي موحد آو (ثقافة كونية)، والتي تكمن بعض من معالمها في الثقافة التي تروجها وسائل والاتصال والإعلام، في نفس الوقت نلاحظ اتجاها آخر يتميز بنوع من العودة إلى الهويات والثقافات المحلية،وذلك كنوع من المقاومة لما يمكن نعته بالغزو الثقافي العابر للحدود.
إن التماثل الثقافي الكامن في سيادة بعض القيم والمعايير الكونية وبالخصوص انتشار المنتوجات الثقافية الأمريكية على الصعيد العالمي ، يقابله نزوع نحو تأكيد نوع من الاختلاف والتعدد الثقافيان من خلال التشبث بالخصوصيات المحلية، ففي ظل هذه الوضعية وكيفما حاولنا أن نقارن ظاهرتي الاختلاف والتماثل الثقافيان ،فسواء انطلقنا من أن التشابه هو الأصل والاختلاف مرده إلى الاشتراطات الاجتماعية التي تتواجد فيها الجماعات والأفراد،فان هذه الظاهرة تكرس عوامل النزاع والصراع وبالخصوص، إذا ما انطلقنا من وجود نزعة التمركز حول الذات بوصفها شعوريا وموقفا كونيا، وفي هذا الإطار يقدم ليفي شتراوس تصورا بالإمكان الاستناد إليه من أجل بناء رؤية أكثر وضوحا ونجاعة ،بحيث ينبغي زعزعة ورفض مركزية الثقافة الأوربية وعقلانيتها وبالتالي القول بتعدد الثقافات وعقلانيتها، فلكل ثقافة مهما كانت عقلانيتها الخاصة ومنطقها الخاص، ومن ثم وجب تقديس مبدأ الاختلاف الثقافي والذي يترتب عليه مبدأ نسبية الثقافة،فالثقافة ليست سوى وسيلة لفهم العالم وتنظيمه ( )تجد تماسكها في الجماعة التي اكتسبتها وترسخت لديها في علاقتها مع باقي الثقافات الأخرى وعبر التجربة اليومية والتعلم والتربية.
أصبح الوضع في الوقت الراهن أكثر تعقيدا من ذي قبل، وبالخصوص بعد أحداث11شبتمر 2001، إذ اتخذ الصراع أبعادا أكثر خطورة كان من نتائجها ازدياد الكراهية على أسس ثقافية وحضارية ، والذي يميل إلى تكريس رؤية أحادية في كل شيء، الأمر الذي دفع اليونسكو إلى إصدار إعلان عالمي حول الاختلاف الثقافي، والذي لم تعطى له أهمية كبرى أو تلك كان من المفروض أن يحظى بها،حيث اعتبر هذا الإعلان الاختلاف الثقافي تراثا مشتركا للإنسانية ينبغي حمايته من الذوبان والاندثار، فكما نعتبر مدينة أو معلمة ما تراثا إنسانيا ،نفس الشيء ينسحب على الثقافات ،إذ ينبغي أن تكون محط حماية واهتمام المجتمع الدولي، وقد جاء في المادة الأولى من هذا الإعلان ما يلي:”تتخذ الثقافة أشكلا متنوعة عبر الزمان والمكان،ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية، والتنوع الثقافي بوصفه مصدرا للتبادل والتجديد والإبداع هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية،وبهذا المعنى فان التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل”) ( ،ونقرأ في مادته السابعة:” إن كل إبداع ينهل من منابع التقاليد الثقافية ولكنه يزدهر بالاتصال مع الثقافات الأخرى،لذلك لا بد من صون التراث بمختلف أشكاله وإحيائه ونقله إلى الأجيال القادمة كشاهد على تجارب الإنسان وطموحاته، وذلك لتغذية الإبداع بكل تنوعه والحفز على قيام حوار حقيقي بين الثقافات”( ).
إزاء هذا الوضع الراهن والذي يتسم بوجود نموذج ثقافي يخترق-بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة- كل الشعوب ومختلف الثقافات ، يمكن أن نتساءل هل يمكن أن نعتبر هذا مؤشرا على بداية ذوبان الثقافات لصالح نموذج عالمي ارتبط تفوقه بنوع من الهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية ، وبالتالي فان ذلك يعني أن التماثل سيصبح الطابع المميز للثقافات، حيث أن الكثير من السمات الثقافية أصبحت ظواهر عالمية كما هو الشأن بالنسبة اللباس ـ مثلا ـ إذ أصبحت البذلة لباسا عالميا وغيرها ـ وتراجعت بالمقابل الأزياء المحلية،ونفس الشيء بالنسبة للغات ، إذ نلاحظ هيمنة لغات بعينها ، حيث أننا نتجه نحو تكريس ثقافة كونية ،أي نوعا من التماثل في الأذواق وأساليب التفكير والأخلاق والقيم وغير ذلك،أم أن إعلانا مثل إعلان اليونسكو غيره والمقاومات التي تبدي الكثير من الشعوب قادرة على حماية خصوصياتها الثقافية،وهل بالإمكان الحديث عن عزلة ثقافية في زمن العولمة والديناميات العابرة للحدود؟.
إن كل إجابة ممكنة لا تستطيع إلا أن تطرح أسئلة أخرى لأن كل الإجابات تنفتح على احتمالات أخرى،تجعل التماثل خاصية الثقافة التي تتشكل من خلال الديناميات العابرة للحدود ، وفي نفس الوقت فان الاختلاف الثقافي يتكرس نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية ،بحيث نتوجه نحو نوع من الاختلاف والتعدد داخل الوحدة la diversité dans l’unité ، أي أننا نتيجة الديناميات التي أفرزتها العولمة نصبح إزاء نمط ثقافي موحد ،لكن في نفس الوقت ذاته ينبغي أن يتضمن ذلك حق الاختلاف ، لأنه إذا كان مفروضا علينا العيش داخل التعدد والوحدة والاختلاف والتماثل ، فان ذلك هو قدرنا جميعا لأننا لا يمكن أن نعيش في عزلة ، فان الآخر المختلف معنا يعيش إلى جانبنا ومن المفروض أن نعيش وإياه فوق هذه الأرض ، وبالتالي ينبغي التخلص ـ كما يقول لفي شتراوس ـ من الخوف اللاعقلاني والاستهامات المشكلة حول الآخر ( )، ويمكن أن يحصل ذلك بالاعتراف المتبادل والحوار والتفاعل وتبادل المعلومات والاختلاط بحيث يزول الغموض المحيط بالآخر والذي غالبا ما يكون سببا في الخوف والكراهية والتمركز حول الذات.

المصدر: مجلة العلوم الإجتماعية
الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

منهج المسح الاجتماعي

تعريف منهج المسح الاجتماعي:هو طريقة لجمع بيانات من أعداد كبيرة من المبحوثين عن طريق الاتصال بمفردات مجتمع البحث سواء كان الاتصال مباشراً وجهاً لوجه أو عبر الهاتف أو بريدياً، من خلال استمارات تحتوي على أسئلة مقننة.استخدامات المسح الاجتماعي:1 – وصف مجتمع البحث ببيان خصائصه ومكوناته المختلفة، مثل خصائصه العمرية والنوعية والتعليمية والعملية والاقتصادية.2 – اختبار الفروض المبدئية والسببية والخروج بتعميمات يمكن أن تساهم في حلول بعض المشاكل الاجتماعية والتنبؤ بالظروف المستقبلية.3 – تستخدم المسوح الاجتماعية في دراسات الجدوى عند وضع خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بإجراء مسوع قبلية ومسوح دورية تقييمية بعد اكتمال المشروع لتقييم فعالية المشروع ومدى إيفائه للأهداف المنشودة.أنواع المسوح:1 – من ناحية موضوع البحث:أ – مسوح عامة: هي التي تشمل جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية دون تركيز على جانب معين دون غيره، مثل الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والعملية والاقتصادية والأسرية والقيم والعادات والتقاليد والعرف والفلكلور.ب – مسوح متخصصة: وهي التي تركز على جانب معين مثل الخدمات التعليمية أو الصحية أو الإسكانية أو الأسرية.2 – من ناحية مجتمع البحث:أ – بحوث شاملة: وهي التي تغطي كل مجتمع البحث مثل التعداد السكاني، وبالطبع هذه الأبحاث تحتاج إلى نفقات وجهد كبيرين، خاصة إذا كان حجم مجتمع البحث كبيراً.ب – مسوح عينية: وهي البحوث التي تغطي عينة تمثل مجتمع البحث، وتجدر الإشارة هنا أن معظم البحوث تتم بهذه الصورة تقليلاً للتكلفة والجهد واختصاراً للزمن.متى يفضل استخدام المسوح الاجتماعية:في الحالات التالية:أ – عندما يكون حجم مجتمع البحث كبيراً مما يتعذر معه استخدام أداة الملاحظة أو المقابلات المتعمقة أو استخدام استمارة أسئلة مفتوحة (غير مقننة).ب – عندما يكون الهدف الحصول على بيانات يمكن تكميمها (تحويلها إلى كمية).ج – عندما تكون المعلومات المطلوبة محددة ومألوفة لدى المبحوثين.د – عندما يكون لدى الباحث معلومات مسبقة عن الموضوع مما يسمح له بمعرفة مدى الإجابات المتوقعة من المبحوثين.مميزات المسوح الاجتماعية:أ – يمكن تطبيقه عندما يكون حجم مجتمع البحث كبيراً بعكس الحال في المنهج التجريبي ومنهج دراسة الحالة.ب – إمكانية تحقيق درجة عالية من التنظيم والإشراف على جمع البيانات نسبة للتحديد المسبق لنوعية البيانات المطلوبة والمتضمنة في استمارة البحث المقننة.ج – سهولة تدريب جامعي البيانات على إجراء المقابلات نظراً لاستخدام استمارات مقابلة تتضمن أسئلة مقننة بعكس الحال في دراسة الحالة التي تتطلب تدريباً مكثفاً لجامعي البيانات نسبة لاستخدام مقابلات متعمقة غير مقننة.د – من السهل تصنيف وتحليل بيانات المسوح لأنها مستقاة من استمارات مقننة.هـ - في المسح الاجتماعي يمكن رصد السوك الماضي والحاضر والسلوك المتوقع في المستقبل عن طريق توجيه أسئلة عنها في الاستمارة.و – يسمح بجمع بيانات يمكن تكميمها وبالتالي وصف المبحوثين فيما يتعلق بصلتهم بالمتغيرات موضع الدراسة وصفاً دقيقاً باستخدام البيانات الكمية واختبار فروض الدراسة باستخدام المقاييس الإحصائية الاستدلالية والخروج بتعميمات في نطاق حيز معلوم من الخطأ العيني.ز – إمكانية إعادة تطبيق البحث على نفس مجتمع البحث أو أي مجتمع آخر بصورة متطابقة إلى حد كبير إذا اقتضى الأمر ذلك.عيوب المسوح:أ – الافتقار للتعمق: يرى البعض أن نتائجها ضحلة لاستنادها على استمارات أسئلة مقننة قد لا تعكس توقعات إجابات المبحوثين، لذا يرون إجراء دراسات استطلاعية تستخدم أسئلة مفتوحة.ب – الأسئلة المتضمنة في استمارات المسوح الاجتماعية لابد أن تكون محدودة نسبة لضيق المبحوثين من كثرة الأسئلة مما يؤدي لعدم كفاية البيانات.

علم النفس الاجتماعي - تعريفه – موضوعه – علاقته بالعلوم الأخرى

أولاً: علم النفس الاجتماعي (النشأة والتطور):بدأ علم النفس الاجتماعي كأي علم آخر في أحضان الفلسفة، فلو نظرنا إلى تاريخ هذا العلم لوجدنا أنه يرجع إلى تاريخ الفلسفة اليونانية.إن أفلاطون هو مؤسس معظم قضايا علم النفس الاجتماعي، وأنه كان ينظر إلى الإنسان كما لو أنه نتاج نموذج اجتماعي ما، وكان يرى أنه بالإمكان تكييف الطبيعة الإنسانية في أي اتجاه عن طريق الاستخدام المناسب للمؤسسات التربوية والاجتماعية.وكان أرسطو يرى الإنسان كائناً بيولوجياً وكان يفسر سلوك الإنسان على أساس الوراثة الحيوية أي أن الإنسان يخضع في أنماط حياته المختلفة للمؤثرات والاستجابات البيولوجية فالجماعة لديه خاضعة في مكوناتها للسلوك الفردي.في عام 1908م أصدر ويليام ماكدوجال عالم النفس المشهور كتابه في علم النفس الاجتماعي وقد تعرض فيه أيضاً لدور التقليد في تفسير تشابه السلوك بين أعضاء الجماعة الواحدة ولقد ساعد هذا الكتاب في نمو هذا العلم مساعدة كبيرة، وفي عام 1920م ظهر كتابه الثاني "العقل الجمعي" وأوضح فيه الأسس العامة والخطوط الرئيسية لعلم النفس الاجتماعي ولقد نشأت فكرة هذا العقل الجمعي من اختلاف سلوك الأفراد عن سلوك الجماعة، فقد تجنح الجماعة إلى سلوك عدائي شاذ وقد تثور وهي بسلوكها هذا تختلف عن سلوك كل فرد فيها لو كان بمعزل عنها وعن تأثيرها الجماعي ولقد افترض ماكدوجال وجود عقل جمعي عام يسيطر على سلوك الجماعات ويتميز عن مكوناته الفردية.يمكن القول بصفة عامة أن ما يميز علم النفس الاجتماعي في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عما قبله وكذلك عنه في منتصف القرن العشرين هو محاولة تحديد عنصر هام يعتبر مسئولاً عن تحديد النفسية الاجتماعية والفردية بصفة عامة، وكان هذا عند "دوركاين" هو القوة القهرية أو الإجبارية للفكر الجماعي وعند "تارد" تقليد الجماعة للأبطال كشخصيات بارزة ومختارة وعند ليبون روح الوطنية أو العنصرية وعند "وارد" الرغبة أو الأماني وعند "فرويد" الميل الجنسي وعند "سبنسر" التكيف البيولوجي وتنافس الأفراد وعند "وليم جيمس" العادات.والمرحلة الهامة الثانية في تطور علم النفس الاجتماعي الغربي تشمل الفترة التي تبدأ من عشرينات وثلاثينات هذا القرن حتى وقتنا هذا، وهذه المرحلة يطغى فيها المجال التطبيقي وينحسر مجال النظرية وإذا كانت السمات المميزة لأوائل القرن هي دراسة علم نفس المجموعات الاجتماعية الكبيرة أو دراسة علم نفس القوميات أو الجماهير مثل "تارد وفونت وسيجيل" فإن الفترة الأخيرة تركز على بحث نفسية الجماعات الاجتماعية الصغيرة والتي تقدم لنا أحياناً معطيات خاصة جداً.مع الانتشار الواسع لمدرسة السلوكيين في أمريكا في الربع الأول من القرن العشرين فإن الاهتمام كله كان مركزاً على سلوك الفرد في الجماعات الاجتماعية غير الكبيرة وعلى سلوك أفراد هذه الجماعات تدريجياً وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية فإن علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي الغربيين قد خرجوا تماماً من دراسة نفسية القوميات والكتل البشرية إلى دراسة نفسية الجماعات الاجتماعية مما يعكس العلاقة النفس اجتماعية بين الناس ففي أبحاث علماء النفس الاجتماعي في أمريكا مثل بوجاردوس ومورينو وشريف وألبورت فإن الجماعات الصغيرة تمثل منطلق أساس كل الدراسات النفس اجتماعية وهي الموضوع الرئيسي في هذه الدراسات.ثانياً: تعريف علم النفس الاجتماعي:هو دراسة الأفراد في صلاتهم البيئية المتبادلة دراسة تهتم بما تحدثه هذه الصلات البيئية من آثار على أفكار الفرد ومشاعره وعاداته وانفعالاته.علم النفس الاجتماعي عند شريف وشريف هو "الدراسة العلمية لخبرة الفرد وسلوكه في علاقتها بالمواقف الاجتماعية" ويستخدم هذان العالمان في تعريفهما لفظ الخبرة والسلوك معاً وذلك على الرغم من أن الكثيرين من علماء النفس يستخدمون أحدهما دون الآخر وكثيراً ما يقتصرون على استخدام لفظ السلوك.ويعرف مصطفى فهمي علم النفس الاجتماعي بأنه "العلم الذي يدرس سلوك الفرد في علاقته بالآخرين إذ يستطيع هؤلاء الآخرون أن يحدثوا أثرهم في الفرد إما بشكل فردي أو بشكل جماعي كما يمكنهم أن يؤثروا فيه بصورة مباشرة عن طريق وجودهم في تحاور مباشر مع الفرد أو بصورة غير مباشرة من خلال نماذج السلوك التقليدية أو المتوقعة من الناس والتي تؤثر في الفرد حتى لو كان بمفرده".ويقدم سارضت ووليامسون تعريفاً لعلم النفس الاجتماعي بأنه "الدراسة العلمية للأفراد بوصفهم أعضاء في جماعات مع تأكيدهما على دراسة العلاقات الشخصية والاجتماعية والتركيز على التفاعل الاجتماعي أي تلك العلاقة بين طرفين (فردين أو جماعتين صغيرتين أو فرد وجماعة صغيرة أو كبيرة) والتي تجعل من سلوك أي منهما سبباً لسلوك الآخر".وبالنظر لهذه التعريفات يلاحظ أنه على رغم من أن كل منها يركز على جانب أساسي باعتباره بؤرة الاهتمام في مجال علم النفس الاجتماعي فإنها تشترك جميعها في ثلاث عناصر هي:1 – أن هذا العلم هو دراسة علمية شأن الدراسات في العلوم الأخرى.2 – أن الموضوع الرئيسي لهذا العلم هو السلوك.3 – أن المواقف الاجتماعية والمثيرات الاجتماعية المتضمنة منها هي المجال الأساسي الذي يدور فيه ذلك السلوك الذي يهتم علم النفس الاجتماعي بدراسته.ثالثاً : موضوع علم النفس الاجتماعي:علم النفس الاجتماعي يدرس الصور المختلفة للتفاعل الاجتماعي أي التأثير المتبادل بين الأفراد بعضهم وبعض وبين الجماعات بعضها وبعض وبين الأفراد والجماعات وبين الكبار والصغار في الأسرة والمدرسة، بين العمال وأصحاب العمل أو بين الرؤساء ومرؤوسيهم، كما يهتم بدراسة صورة التفاعل الاجتماعي من حب وكراهية ومخاوف وتعصب وتعاون وتشجيع وتنافس، كذلك يدرس نتائج هذا التفاعل ومنها تكون الآراء والمعتقدات والاتجاهات والقيم والعادات الاجتماعية.ومن بين القضايا التي يعنى بها في الوقت الحاضر علماء النفس الاجتماعي:1 – مفهوم الطبيعة الإنسانية وإلى أي حد تتأثر الشخصية بالوسط الثقافي والاجتماعي الذي تنشأ فيه.2 – التنشئة الاجتماعية للطفل والطريقة التي تتم بها تربيته ويتحول بموجبها من طفل صغير إلى مراهق فراشد متآلف اجتماعياً.3 – دراسة المظاهر المرضية للحياة الاجتماعية مثل انحرافات الأحداث، مشكلات الجريمة والإدمان والاغتراب.4 – المواقف والآراء ويشمل هذا المجال الطرق المختلفة لقياس المواقف ثم البحث عن الآثار المختلفة المترتبة على وسائل الإعلام وأحسن طرق الدعاية واتجاهات الرأي العام.5 – التفاعل الاجتماعي وكيف يتم داخل الجماعات المختلفة الصغيرة والكبيرة.6 – القيادة وظائفها وأنواعها والتدريب عليها.7 – دراسة الميول والاتجاهات وأثرها على السلوك.8 – دراسة صور العداء بين الجماعات.رابعاً: علاقة علم النفس الاجتماعي بالعلوم الأخرى:علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم الاجتماع:إن علم النفس الاجتماعي هو نتاج امتزاج بين علم النفس وعلم الاجتماع ومن هنا تبدو الصلة قوية بين علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي فالعلم الأول يهتم بدراسة الهيكل العام للتنظيمات الاجتماعية من حيث شكلها وهيكلها العام والعناصر المكونة لهذه التنظيمات وحجم الجماعة وتماسكها، في حين أن علم النفس الاجتماعي يقصر دراساته على التفاهم الذي يتم داخل هذه الجماعات وكيف يصبح الفرد متطابقاً اجتماعياً وكيف يمتص الاتجاهات النفسية والاجتماعية السائدة في هذه المجتمعات وكيف يؤثر الفرد بدوره على سلوك أفراد الجماعة التي يعيش فيها فكل من العلمين يهتم بعناصر مختلفة من واقع لا يتجزأ فالأفراد لا يمكن فهمهم بعيداً عن علاقاتهم بعضهم ببعض والعلاقات لا يمكن أن تفهم جيداً بعيداً عن وحدات العلاقة وهكذا تبين لعلماء النفس استحالة إقامة حدود فاصلة تماماً، فما يكادون يقتربون من الحقيقة الإنسانية حتى يجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام المظهر النفسي والاجتماعي معاً.علاقة علم النفس بعلم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان):إن الموضوع الرئيسي لهذا العلم هو وصف أشكال السلوك في الحضارات المختلفة، والأنماط المختلفة من السلوك والتفكير والمعاملات التي اصطلحت عليها الجماعة في حياتها والتي تناقلتها الأجيال المتعاقبة عن طريق الاتصال والتفاعل الاجتماعي لا عن طريق الوراثة البيولوجية.ولقد حدد مصطفى سويف الفائدة التي يمكن أن يجنيها علم النفس الاجتماعي من الاطلاع على الدراسات الخاصة بعلم الأنثروبولوجيا في ثلاث جوانب:1 – إدخال العنصر الحضاري كمتغير مستقل في تصميم التجارب العلمية.2 – اعتبار العنصر الحضاري متغيراً مستقلاً في مجموعة من المشاهدات المضبوطة التي يجريها الباحث على عدد من الحضارات باعتبارها تجارب على التاريخ.3 – التنبيه إلى مشكلة خفية هي كيف يتم نقل العناصر الحضارية أثناء عملية التطبيع.علاقة علم النفس الاجتماعي بالدراسات الاقتصادية:الاقتصاد هو الدراسة العلمية لمجموعة من الظواهر الاجتماعية التي تدور مباشرة حول تدبير ثورة المجتمع المادية ومركز الاهتمام في دراسات الاقتصاد ينصب على بعض ظواهر النشاط الإنساني في المستوى الفردي.إن علم النفس الاجتماعي يفيد من دراسات الاقتصاد في زيادة التبصر بمقومات الموقف الاجتماعي الذي يحيط بالفرد ويتدخل بصورة أو بأخرى في تشكيل تفاعلاته الاجتماعية.علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم النفس العام:هدف علم النفس العام هو اكتشاف قوانين السلوك التي لا تتأثر بالفروق في التنشئة الاجتماعية مثل القوانين الأساسية في الدافعية والإدراك والتعلم والتذكر والتفكير والتي تصدق على كل البشر بصرف النظر عن البيئة الاجتماعية أو الثقافية التي يعيشون فيها أي ينظر إلى الفرد مجرداً.وحيث أن علم النفس الاجتماعي يعالج سلوك الفرد بالنسبة للمثيرات الاجتماعية فإننا نجد أن ما هو غير هام بالنسبة لعلم النفس العام يصبح هاماً جداً بالنسبة لعلم النفس الاجتماعي الذي يدرس السلوك الإنساني في المواقف الاجتماعية.وعلى ذلك فعلم النفس الاجتماعي مكمل ضروري لعلم النفس العام وأن الإطلاع على دراسات علم النفس العام من شأنه أن يذكرنا بأهمية عوامل البيئة الفيزيقية في بعض مواقف الحياة الإنسانية وهذا من شأنه أن يساعدنا على وضع العوامل الاجتماعية المؤثرة في السلوك في موضعها الصحيح دون مغالاة في أهميتها.علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم النفس الفسيولوجي:تشير الدراسات التي تناولت الشخصية من ناحية العوامل التي تساهم في إكسابها سمات سلوكية معينة إلى ضرورة الاهتمام بالدور الذي تعلبه الغدد الصماء وما تفرزه من هرمونات بصورة مباشرة في الدم وحيث تساهم في تحقيق التكامل الوظيفي بين أعضاء الجسم المتباعدة، كما أنها تؤثر على سمات الشخصية، على سبيل المثال فإن هرمون الغدة الدرقية الذي يؤدي انخفاض نسبته في الدم إلى تغيرات في الصورة العامة للشخص فيصبح من الناحية العقلية كثير النسيان وتقل قدرته على تركيز الانتباه وبفقدان القدرة على حل المشكلات.والواقع أن الكثيرين يبالغون في الدور الذي تقوم به الاضطرابات الفسيولوجية في حياتنا بنفس القدر الذي يبالغ فيه البعض بدور العوامل الاجتماعية في حياتنا والصواب هو النظر إلى تلك العوامل في إطار تفاعلي بمعنى أن هناك تفاعلاً بين العوامل الاجتماعية وبين الحياة العضوية للفرد وأن السلوك هو محصلة التفاعل بينهما.علاقة علم النفس الاجتماعي بعلم نفس النمو:يهدف علم نفس النمو إلى دراسة تطور سلوك الفرد في مراحل عمره المختلفة ابتداء من المرحلة الجنينية مروراً بمرحلة الطفولة فالمراهقة فالرشد حتى الكهولة والشيخوخة ويحاول الباحث المختص في هذا الفرع من فروع علم النفس دراسة الأشكال التي تتشكل بها مظاهر السلوك المختلفة في كل مرحلة عمرية وكيف تنشأ هذه الأشكال بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه العوامل المختلفة من بيئة ووراثة ونضج في تحديد هذه الأشكال.وتدل الدراسات التي تمت في مجال علم نفس النمو على أن تأثير البيئة بما له وما عليه محدود بمستوى النضج ويظهر تأثير البيئة الاجتماعية بوضوح في دراسات النشاط اللغوي ولم تقتصر إفادة علم النفس الاجتماعي من دراسات علم النفس النمو حول الحدود التي ينبغي أن يلتزموا بها بل في دراسات التنشئة الاجتماعية وهو من أهم موضوعات علم النفس الاجتماعي إن لم يكن أهمها.علاقة علم النفس الاجتماعي بالصحة النفسية:أصبح مفهوم الصحة النفسية مرتبطاً ارتباطاً كبيراً بالقدرة على التكيف مع نفسه ومع ظروفه التي يحيا فيها وتشمل هذه الظروف النواحي المادية والنواحي الاجتماعية ومن هنا فإن العلاقة بين العلمين قائمة طالما أن قدرة الفرد على التكيف والتي تعتبر الأساس الأول للصحة النفسية تعتمد اعتماداً كبيراً على ظروف الإنسان الاجتماعية وقد أدى هذا الوضوح في تأثير الجانب الاجتماعي على شخصية الفرد إلى ظهور النظرة الاجتماعية النفسية الجديدة في الشخصية على يد أدلر وهورني وفروم وسوليفان ورغم أن هؤلاء جميعاً من أتباع فرويد إلا أنهم قدموا هذه النظرة الجديدة احتجاجاً على قصور مفهوم فرويد عن دور الظروف الاجتماعية في نمو الشخصية الإنسانية بل أن سوليفان يكاد يطابق بين علم النفس الاجتماعي وعلم الطب النفسي العام إذ يرى أن الأخير يقوم أساساً على العلاقات الشخصية المتبادلة.ودراسة أسباب الأمراض النفسية يكشف بوضوح الدور الذي تعلبه العوامل الاجتماعية، ودراسة أعراض الأمراض النفسية تظهر خطورة الأعراض الاجتماعية، ويعتمد التشخيص على دراسة الجوانب الاجتماعية والسلوك الاجتماعي للمريض والعلاج النفسي يتضمن العلاج الاجتماعي والعلاج الجمعي.

السبت، 15 أكتوبر 2016

لماذا نقرأ؟

  •  لماذا نقرأ؟


ما الذي يمكن أن يجنيه المرء من وراء القراءة؟ سؤال تبدو الإجابة عنه شديدة البداهة بالنسبة لمن تعوّد تلك العملية الشاقة والمرهقة والمسماة قراءة . ولبساطة السؤال ربما لم يتوقف أحدهم يوماً ليفكر فيه مطولاً، وهو الشعور الذي ينتاب من يقتني كتاب الناقد الأمريكي هارولد بلوم “كيف نقرأ ولماذا؟”، حيث يظل الكتاب قابعاً في مكانه لفترة طويلة، وينتابنا التفكير كثيراً في الإضافة التي من الممكن أن نحصل عليها من كتاب يحمل عنواناً مثل هذا .
القراءة تبني الوعي، وتزيد معرفة الفرد بالعالم من حوله، أداة لبناء العقل، وسيلة للنهوض والتقدم . . . . الخ، أجوبة كثيرة ستجدها تقفز من الذاكرة، إذا حاولت تجميع ما طالعته هنا أو هناك عن هذا الموضوع الذي نطرحه بصورة عابرة في مقال أو دراسة، ونناقشه غالباً بطريقة مدرسية مملة، ربما تدفع من يتابع مثل هذا النقاش إلى النفور من القراءة نفسها .
القراءة لدى بلوم، عالم آخر تماماً، هو يضعنا أمام ذواتنا التي تورطت فيها يوماً حتى أصبحت أسيرة لها، يستعير بلوم مقولة “كافكا” عن الكتاب الجيد الذي يجب أن يكون فأساً جليدية لكي تكسر هذا البحر الذي تجمّد داخلنا، ففي كل كتاب عبقري نتعرف إلى أفكارنا “نحن” المرفوضة، تلك الأفكار التي تتشكل ببطء لتؤسس لذلك الجليد .
القراءة فعل تمرد مستمر للخروج على العادي والنمطي والمكرر المحيط بنا يومياً، كشف لما نحاول أن نخفيه، أو ربما لا ندرك أنه يقبع في جبل ضخم يغمر الماء معظمه ولا يظهر منه إلا القمة، وهو ما أطلق عليه فرويد مرة اللاوعي . القراءة تمنحنا طمأنينة أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، فهناك من يشعر بما نحس به، مهما اعتقدنا أنه يتسم بالغرابة . . . القراءة تتحول إلى صمام أمان لنا وللآخرين في الوقت نفسه، تعطينا سلاماً داخلياً وثقة أكبر بالنفس .
القراءة حاجة داخلية أولاً وقبل أي شيء آخر، وهذا ما يؤكده بلوم . ففي شروحاته طوال الكتاب حول أعلام الأدب في القصة والرواية والمسرح والشعر، يرسخ لفتنة القراءة تلك التي تنطلق أولاً من محاولة هؤلاء فهم الذات والاقتراب من دواخل أكبر عدد من البشر الذين لا يمكننا مقابلتهم في الواقع، وعلى هذا الأساس لا يهتم بلوم بمسرح شكسبير من الزاوية الفنية، بل يركز على قدرة مبدع هاملت وعطيل والملك ليرعلى الاقتراب من الزوايا والأركان المنسية في أعماقنا، والتي توجد فيها بالضرورة بعض ملامح هذه الشخصيات . وبخلاف شكسبير هناك تشيخوف وموباسان وسرفانتس وبروست وملفيل وغيرهم الكثير .
القراءة متعة وتوسيع لرقعة الحياة، وتفعيل لحس السخرية الذي إذا أصابه العطب فسيموت الجانب المتحضر فينا . أما الشخص الذي يقرأ فيجب أن يكون “مبتكراً”، فليس كل من يطالع كتاباً بقارىء، فهذا الأخير لا يمكن أن يتكون إلا عبر سنوات من المتابعة والتراكم الدؤوب، الأمر الذي يتطلب البحث والتنقيب والكتاب الذي يقود إلى آخر، والكتاب الذي يثير فكرة، والكتاب الذي يفجّر قضية، والكتاب الذي نقرؤه أكثر من مرة، والكتاب الذي يؤثر فينا بقوة، وربما يغير الكثير من قناعاتنا، والكتاب الذي نعود إليه مرات، لأننا نحتاج إلى معلومة أو اقتباس أو عزاء ما لموقف نعايشه . . .الخ، والكتاب الذي نحتاج لكي نفهمه إلى كتب عدة ممهدة ومؤدية إليه، والكتاب الذي يعلق في ذاكرتنا، والكتاب الذي لا يثير فينا شيئاً للوهلة الأولى ثم نكتشف أهميته في ما بعد، والكتاب الذي نشغف به ثم نعرف سطحيته لاحقاً، والكتاب الذي نتعب في الحصول عليه، ربما قبل الانترنت، والكتاب الذي يهدى إلينا لوضعه جانباً، والكتب التي نتخلص منها بين فترة وأخرى، فينتج من جراء هذا القدرة على انتقاء الكتب، والتثاقف الذهني مع الأفكار التي تتضمنها أو الانفعال العاطفي مع الأحاسيس التي تثيرها، القراءة وفق هذه العملية الطويلة والمعقدة تؤكد معنى أن القارىء الحقيقي لابد من أن يكون مبتكراً .
“لماذا نقرأ؟”، سؤال تمثل الإجابة عنه، معرفة متكاملة بنوازعنا وشخصيتنا، وليست حصة مدرسية نطالع فيها: العوامل التي تدفع إلى القراءة منذ الصغر، والفوائد التي تعود علينا من جراء القراءة، الأهمية التي سيجنيها المجتمع من وراء القراءة، وليست فرصة لإبراز كمّ ما حصّله أي منا في حياته من معلومات وقراءات يتباهى بها في هذا الحوار أو ذاك اللقاء، ثم يظهر الخواء في الناتج الإبداعي، وليست محاولة للاقتراب من عاهة تؤكد أننا أقل شعوب الأرض قراءة، فربما تمارس قلة ضئيلة فعل القراءة بدأب وصدق وتشد الجميع إلى الأمام، إذا توافرت النية والشروط الصحية .
أفكار عدة يثيرها الكتاب، منها ما يتعلق بضرورة مراجعة تعاطينا مع مسألة “القراءة”، أو ما نراكمه بداخلنا تجاهها، ولا نحسن التعبير عنه، ومنها ما يرتبط بغياب كتابات عربية تتحدث عن جماليات فعل القراءة نفسه والإشباعات التي نحققها من ورائه، أما ما يخص رصد تجليات القراءة، سواء كان من خلال دراسة انعكاس الترجمة المتسارعة أو الانفتاح غير المسبوق على العالم عبر وسائل لم تكن متوفرة سابقاً، في كتب تصدر يومياً ونجدها على أرفف المكتبات المختلفة فمسألة تحتاج إلى سؤالين رديفين إذا فعّلنا حس السخرية: ماذا نقرأ؟، وماذا نكتب؟، ولكنها تظل في النهاية سخرية بمذاق المرارة .

جورج هربرت ميد (التفاعلية الرمزية)

جورج هربرت ميد (التفاعلية الرمزية)


مقدمه عن التفاعلية الرمزية:
ظهرت النظرية التفاعليه الرمزية في بداية الثلاثينات من القرن العشرين على يد العالم جورج هربرت ميد تعتبرُ التفاعلية الرمزية واحدةٌ من المحاور الأساسيةِ التي تعتمدُ عليها النظرية الاجتماعية، في تحليل الأنساق الاجتماعية. وهي تبدأ بمستوى تحليل الوحدات الصغرى منها للواحدات الكبرى بمعنى تبدأُ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي فأفعالُ الأفراد تصبح ثابتةً لتشكل بنية من الأدوار؛ ويمكن النظر إلى هذه الأدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث المعاني والرموز. وهنا يصبح التركيز إما على بُنى الأدوار والأنساق الاجتماعية، أو على سلوك الدور والفعل الاجتماعي ومع أنها تَرى البُنى الاجتماعية ضمناً، باعتبارها بنىً للأدوار بنفس طريقة بارسونز Parsons ، إلا أنها لا تُشغل نفسها بالتحليل على مستوى الأنساق.بقدر اهتمامها بالتفاعل الرمزي المتشكِّل عبر اللغة، والمعاني، والصورِ الذهنيةِ، استناداً إلى حقيقةٍ مهمةٍ، هي أن على الفرد أن يستوعب أدوارَ الآخرين. ترى النظرية التفاعلية الرمزية أن الحياة الاجتماعية التي نعيشها حصيلة تفاعلات بين البشر بعضهم بعض أو بينهم وبين المؤسسات الاجتماعية في المجتمع.حيث أنها تنظر لادوار البشر بعضهم تجاه بعض من خلال المعاني والرموز التي قد تكون ايجابيه اوسلبيه.وطبيعة هذا الرمز والذي يحدد علاقتنا به اوبهم حيث قدتكون ايجابيه اوسلبيه اعتمادا على هذا الرمز او الصورة الذهنية التي كونها عن هذا الرمز او عن من نتفاعل معهم

*من ابرز روادها:
1/جورج هربرت ميد.
هو من أشهر علماء الاجتماع الأمريكان ومن اشهرالرواد المؤسسين في الاتجاه التفاعلي الرمزي ولد عام 1863وتوفي في 1931ولد في (مشاشوستس) ابن رجل بيوريتاني وتعلم في كليه ابرلن ثم جامعه هارفارد ثم جامعه ليبزج ثم جامعه برلين ثاثر بأفكار ديوي وسمل ووليم جيمس وقدم بحوث عن أفكارهم.عمل مع ديوي في جامعه شيكاغو. وقد جمع له تلاميذه كتبا بعد وفاته.يحتوي على معظم أفكار التي كانوا يدونونها في محاضراته تحت عنوان mind self and society- -
ركز على فهم التفاعل المتبادل والذات ألاجتماعيه في داخل المجتمع . في داخل محتوى مجتمع يعايش اعلى مستويات التصنيع والتحضر ونزعات الإصلاح والنزعة العلمية والمثالية ومن ثم كان وعي الانسانيه بذاتها يتزايد تبعا" لذلك .
*من أهم أعماله:
(العقل والذات والمجتمع) (وفلسفه الفعل).أضافه إلى أبحاثه في علم النفس الاجتماعي والفلسفه. وقد ساهم هربرت في وضع المبادئ والأفكار الاساسيه للنظرية التفاعلية الرمزية من خلال دراسته لذات في المجتمع. كما يقيهما الفرد ودراسته للذات كما يقيمها الآخرون.بمعنى أخر اناكما أقيم ذاتي واناكما يقيمني الآخرون. ويعتقد جورج ان الذات في المجتمع هي حصيلة تفاعل عاملين : العامل النفسي الذي يعبر عن خصوصية الفرد وشخصيته والعامل الاجتماعي الذي يجسد مؤثرات البناء الاجتماعي المحيطة بالفرد. وحلل عمليه الاتصال وقسمه الاقسمين اتصال رمزي وغير رمزي عن طريق الأفكار والمفاهيم وبذلك تكون اللغة هي وسيله الاتصال بين الإفراد رمزا لأنها تؤثر في الإفراد كما تؤثر في الآخرين.

*اهدافه
1/كان هدفه الأول دراسة نشاط وسلوك الأفراد كمايوجد في العملية الاجتماعية في محاولته فهم هذه الظاهرة كوظيفة لمحتواها الاجتماعي والسيسولوجي .
2/ركز على الوحدات الصغرى للسلوك الاجتماعي . 
3/وركز على الاهميه السسيولوجيه للتفاعل الاجتماعي والعقل والله والوعي بالذات وهكذا يعتبر جورج ميد من أوائل أصحاب اتجاه علم النفس الاجتماعي.
*ابرز المفاهيم عند جورج هربرت ميد:
1. العقل
2. الذات (النفس ): وحدة اجتماعية مميزة عن الكائن الفيزيقي، رغم طبعاً، أنه لا يمكن أن تظهر إلا على أساس هذا الكائن. تظهر النفس في سياق خاص للخبرة والتفاعل الاجتماعي، وتظل تتطور في علاقتها بالعملية الاجتماعية والأفراد الموجودين فيها.
3. مكونات النفس: قسمها إلى جزأين:
*الأنا الـ (I): وهو جزء عفوي مندفع.
*الذات الاجتماعية (Me): وهو جزء اجتماعي ضميري ناشئ عن القيم والمعايير والتوقعات الاجتماعية.
4. الـذات البيولوجيـة: الذات عند ميد هي وحدة بيولوجية وهي الميل المندفع للتصرف أو رد الفعل لمؤثر معين " تحت ظروف عضوية معينة، كالجوع أو الغضب وغيرها من لاندفاعات.
5. المجتمع: مفهوم المجتمع الإنساني عند ميد يصر على تقدم وأولوية الخبرات والسلوك الاجتماعي الآني والموجود. 
6. فلسـفة الحاضر
7. الانبثاق
8. النسبية
9. فلسـفة الفعـل
*نظريته
1-اعتبر ميد ان الفرد رشيد وانه نتاج العلاقات الاجتماعيةproduct of social relation ونرى هنا وجه الشبه مع ماذهب إليه فيبر.
2-اعتبر ميد أن الحقيقة هي كل مالدى الفرد individualوالاجتماعيsocialمثل هذه الدراسة ذات المستويات المتعددة ذات أهميه كبيره لأنها عكس ماكان قبلها من النظريات التي كانت تتعامل مع الواحدات الكبرى.
3-اعتبر ميد ان المجتمع دينامكي وتطوري مستمر في تقديم أنماط جديدة للافراد.ويلاحظ ان النظرة الدينامكية والمعيارية للمجتمع تتوازى مع تركيرفيبرللمعنى والترشيد.
4-اعتبرميد ان الذات الاجتماعية social self تتطور خلال سلسله معينه,يتم التفاعل الاجتماعي خلال الاتصالات الرمزية واللغة فمن خلال اللغة يتعلم الإنسان الاتجاهات والعواطف ومن ثم يصنع العقل mindوالذات والذات الاجتماعية تتطور من خلال ثلاث مراحل ( مرحله المحاكاة في الأفعال,ومرحله اللعبthe play stage, ومرحله الالمام بقواعد اللعبة the game stage,والمرحله الأولى تحدث خلال ألسنه الثانية من العمر حيث يقلد فيها الطفل سلوك الاخرين المحيطين به مثل الاباء والاخوه والاخوات ,اماالمرحله الثانية فنها تبدأ عندما يصل الطفل الى السنه الثالثه وتتسم بميل الطفل الى اتخاذ ادوار الآخرين حين يلعب دور الام ودور المدرس او الرجل والشرطي وفي هذه المرحله يبدأ الطفل في الخروج عن نطاق نفسه أي أنه يبدأ في الاهتمام باتجاهات الاخرين نحوه بوصفه موضوعاobject , واتخاذ دور الآخرين هوا لعمليه في تكوين الذات,وفي مرحله اللعب يكتسب الفرد مجموعه من الذوات selves,يتم التكامل بينهما في المرحلة الثالثة , وهي المرحلة التي تظهر فيها الذات الموحدةunified self , وفي هذه المرحلة يصبح الطفل على تبني اتجاهات كل أعضاء المجموعة التي ينتمي أليها وعلى تصوره دور كل فرد في المجموعة والقيام به,وقد سمى ميد المجموعة الاجتماعية التي يكون الفرد من خلالها ذاته بالأخر المعمم generalized other .ومن خلال هذا الأخر المعمم يمارس المجتمع الضبط على سلوك الإفراد والأعضاء 
فيه.
5- إن التنشئة الاجتماعية عند ميد عبارة عن بناء للذات من خلال احتلال أدوار مختلفة باستمرار،فهي تدل على ان الفرد يمكن أن يكون الموضوع والمضمون في آن واحد"Subject et Objet" فالأنا تتضمن مواقف المجموعة "الآخر العام" إضافة إلى السمات والعادات الخاصة بالمعني أي البعد الاجتماعي لشخصية الفرد للفرد،لكن "الذات" تمثل عكس ذلك الجانب الفرد للشخصية وتشعره بنوع من الحرية والتذمر ومن ثم مخالفة ومن هنا يقع بين مد وجزر،ومن خلال هذا البناء للهوية تظهر سلوكيات مختلفة عن بعضها،كلما زاد التفاعل بين الأنا والذات زاد التفاعل بين الفرد والمجموعة. 
6-اعتبرميد ان الفرد يملك ذاتا اجتماعيه فقط في حالة علاقاتها بذوات الأعضاء الآخرين لجماعته الاجتماعية , وان بناء ذاته يعبر ويعكس نمط السلوك العام لجماعته التي ينتمي اليها ,تماما مثل مايعبر بناء ذات كل فرد آخر ينتمي لهذه الجماعة الاجتماعية.
7- ينظر (ميد) للذات على إنها المحور الأساسي في عمليات التفاعل فهو ينظر للذات على إنها الأساس الذي يتحول بموجبه الفرد إلى فاعل اجتماعي له ارتباط بالآخرين ،إذ من خلال الذات يكون الإنسان صورة نفسه وصورة الآخرين بوصفها موضوعات أساسية للتفاعل.
8- ومن خلال هذا الفهم الذي يطرحه (ميد) لفكرتي الذات الداخلية والخارجية فانه يقترب إلى حد ما من الرؤية الفرويدية للشخصية البشرية ،فالذات الداخلية هي حصيلة تفاعل بيولوجي واجتماعي وهذه الفكرة مقاربة لفكرة( الهوا) و(الأنا )عند (فرويد(فالهوا) هو مجموعة دوافع غريزية لا اجتماعية ، في حين يكون( الأنا ) امتداد للهو يخضع لمبدأ الواقع بدلا من الاعتماد على اللذة بشكل مباشر في حين يقترب مفهوم الذات الخارجية من مفهوم الأنا الأعلى لاسيما وان الأخير يعمل على ترسيخ فكرة الضبط الاجتماعي عن طريق نقل القواعد والقيم التي يؤمن بها المجتمع إلى داخل الإنسان بواسطة عمليات التفاعل والتنشئة الاجتماعية ، وبموجب ذلك يدرك الإنسان انه يمثل موضوعا بالنسبة للآخرين كما يشكلون هم بالنسبة أليه موضوعات يتفاعل معها كما تستوعب الذات صورتها على إنها عنصر مستقل له خصوصيته ، وهذا يعني إن الذات تفهم على إنها عملية انعكاسية بين ذات الفرد والعالم الخارجي وهذا يشير إلى أن الذات تقع في عملية تفاعل مع المجتمع كموضوع متناقض معها وليس مجرد نتاج له وهذا يعني بالضرورة إن الإنسان من الممكن إن يخلق وعيا خاصا به يخلق بموجبه نمطه السلوكي بدلا من الاستجابة الحتمية للواقع ومثل هذه الطروحات الخاصة (بميد) لا تتفق وطبيعة الطروحات التي جاء بها (ماركس) الذي يرى إن تشكل العقل الإنساني ناشئ عن طبيعة الحياة المادية التي يحياها الإنسان فالبشر لا يحددون وعيهم وإنما وعيهم يتشكل بفعل الحياة التي يحيونها وهذا يعني إن الذات عند (ماركس) ما هي إلا حصيلة لتأثير الحياة المادية المؤثرة في مجمل عناصر الوجود الاجتماعي الذي يعمل بدوره على ترتيب وعي الذات أو الإنسان ، ولكن مع هذا فالإنسان بالنسبة لماركس هو عنصر خلق وإبداع وليس عملية استجابة مجردة للوجود كما إن (ماركس) يؤمن بان الذات تقع في حالة جدل مع الموضوع (الطبيعة ) فالطبيعة تمثل عنصرا خارجيا ومستقلا وغريبا عن الذات ولهذا يؤكد ماركس بأن العمل والإنتاج المنظم يعد عاملا أساسيا في دمج الذات مع الموضوع ( 
على وفق طروحات (ميد)فان الإنسان من الممكن أن ينظم الواقع أو يعيد ترتيب الواقع وهي فكرة متآزرة إلى حد ما مع فكرة الخلق والإبداع الماركسي الخاص بالذات الإنسانية ، وعطفا على ذلك يذهب ميد إلى إن الإنسان لابد من أن يحدد رغباته وأهدافه وذاته بالتقابل مع الواقع والفرق بين الذوات الفاعلة يكمن في قدرتها على تنظيم الواقع وتشكيل خط خاص بها ،
* الـذات البيولوجية عند ميد: 
تحتوي " الذات " عند ميد على معضلة، فتمثل من ناحية الحرية والتلقائية والجديد والمبادرة، وهي بسبب أساسها البيولوجي، من ناحية أخرى، عمياء لا واعية، وهذه عملية ندركها فقط عندما تصبح أمراً واقعاً. " فالذات " البيولوجية معينة بابتهاجنا والشعور بالإثارة في الحاضر.
ترسم " الذات المتأثرة " الحدود المناسبة التي يمكن أن تتصرف " الذات " ضمنها لكن ميد يستمر قائلاً " لكن إذا زاد الضغط عن الحد الممكن، فإن الفرد سيخترق هذه الحدود، وسيعبر عن نفسه بطريقة عنيفة غالباً، وعندها تسيطر " الذات " على وضد " الذات المتأثرة ".
واضح جداً أن ميد يؤكد ( اختلاف ما تتضمنه " الذات " عما تتضمنه " الذات المتأثرة " )، فهذه الأخيرة تمثل قيم الجماعة، والتي تؤدى تحت " ظروف دينية أو أخلاقية متطرفة إلى التضحية بالنفس من أجل الجماعة" وتقوم "الذات" في الطرف الآخر بمعارضة الذات المتأثرة" وما تتضمنه وما تقوم عليه من علاقات اجتماعية، ويؤكد ميد هذه العلاقة الجدلية لهذين البعدين إلى النهاية.
* المجتمــع:
يعتبر ميد أن المجتمع ديناميكي وتطوري ومستمر في تقديم أنماط جديدة ومتغيره من النشأة الاجتماعية للأفراد ويلاحظ أن تلك النظرة الديناميكية والمعيارية للمجتمع تتوازى مع تركيز فيبر على المعنى والترشيد.
يرفض ميد التوصل إلى مفهوم المجتمع الإنساني من خلال افتراض وجود العقول والنفوس المسبق. وعلى عكس ذلك، فإنه يصر على تقدم وأولوية الخبرات والسلوك الاجتماعي الآني والموجود. فعملية التفاعل الاجتماعي بين الكائنات الإنسانية، أو بمعنى أدق أشباه الكائنات الإنسانية، " يجب أن يسبق وجودها وجود العقل والنفوس في الكائنات الإنسانية، وذلك حتى يصبح من الممكن للكائنات الإنسانية، أن تطور العقول والنفوس من خلال وبهذه العملية". وهنا لا يجب الخلط بين قدرات العقل والذكاء والوعي الذاتي بمسألة تطورها الفعلي. فالأولى ترتبط بالتطور الاجتماعي. العملية الأولى تقدمت وجعلت الأخيرة ممكنة، ولكن عندما تنبثق العقول والنفوس، تتداخل العمليتان وتعتمد كل على الأخرى. 
هناك، في رأي ميد، وجه اجتماعي في سلوك أي كائن من الكائنات الراقية: فالدوافع البيولوجية الأساسية مثل الجوع والجنس " تشمل وتتطلب ظرفاً وعلاقات اجتماعية لإشباعها من قبل أي فرد .." وتلعب هذه الدوافع الأساسية دوراً هاماً بين الكائنات الإنسانية.
إذ يقرر ميد أن " الدافع الجنسي أو دافع الإنجاب" هو من بين أهم الدوافع، " التي تؤثر في سلوك الإنسان الاجتماعي، والتي تضح أهميته في جميع التنظيمات الإنسانية ( سواء البدائية منها أو الحضارية).

* فلسـفة الحاضر:
في مقالاته التي جمعت تحت عنوان " فلسفة الحاضر" يمكن أن نرى مفهوم ميد الجدلي أكثر وضوحاً، وشمل هذا المفهوم مفهومين آخرين ( الانبثاق ) و ( النسبية ). أحد مصادر مذهب الانبثاق، جاء من الفلسفة الألمانية الكلاسيكية، وخاصة فلسفة هيجل، التي كان ميد على معرفة جيدة بها. كان ميد يؤمن بأن هذا المذهب يحمل مفتاح النظرة الطبيعية " للحياة " و "الوعي"، والتي يمكن بواسطتها أن يتجنب الفرد البدائل المتطرفة من المادية الميكانيكة أو الفلسفة المثالية.
• فلسـفة الفعـل :
نجد في المقالات التي تتضمنها " فلسفة الفعل " إغناء لنظرية ميد عن الاجتماعية. الادتماعية حسب رأيه تتحدد بدرجات متباينة العلاقة بين جميع الكائنات وبيئتها، وذهب ميد إلى إبراز الجانب النشط في جميع الكائنات والتأثير المتبادل بين الكائن وبيئته.
ومن المهم ملاحظة أن ميد لم يأخذ ولم تكن دراسته حتمية بالنسبة للذات الاجتماعية. بل كانت بالاحرى.
اعتبر ميد أنه بالرغم من التنشئة الاجتماعية أي التطبيع الاجتماعي. فأن عمليات الذات تتضمن وجوها إبداعية وتلقائية تساهم في التغير الاجتماعي . واختراع أنماط جديدة من التنشئة الاجتماعية وهكذا جعل من الفردية الإنسانية لديها القدرة على المساهمة في استمرار الديناميكية الاجتماعية والتغير.
وهكذا يمكن القول أن ميد اعتبر أن المجتمع يمثل نسق ديناميكي من التنشئة الاجتماعية والذي في داخلة تتشكل الذات الاجتماعية خلال التفاعل واللغة أهم أدواته. وتتقدم التنشئة الاجتماعية خلال ثلاث مراحل متميزة ومن ثم يعتبر نموذجه نسقى ويركز على الوحدات الصغرى. وقد حددته نظرة تطورية . وتبعا لذلك فالحقيقة الاجتماعية هي دائماً في حالة صنع وذلك استجابة لنشاط الأفراد المبدع التلقائي في تطوير أشكال جديدة من التنشئة الاجتماعية والذوات الاجتماعية
من الانتقادات التي أخذت على التفاعلية الرمزية وروادها:
1-أكدت التفاعلية الرمزية على أن المجتمع تفاعل رمزي دون أن تشير إلى أنماط الظروف مهما كان نوع التفاعل الذي يؤدي إلى ظهور وانبثاق أي نمط من أنماط بناء اجتماعي واستمراره وتغييره في سياق أي ظرف من الظروف .
2- الغموض الذي اتسمت به أطروحات التفاعلية الرمزية وكيفية تشكيل التنظيم الاجتماعي وتغييره فهناك غموض بين عملية التفاعل ونتائجها .
3- عدم صياغة براهين وحجج كافية وذلك حول، حتى كيف وإلى أين وما عمليات التفاعل تعمل على تكوين واستمرار وتغيير أنماط التنظيم الاجتماعي المتنوعة والمتباينة.
4- تقليل التفاعلية الرمزية من شأن الأبنية الاجتماعية بحيث تجعلها موضوعات ناتجة من اتجاهات الفاعلين أو الأشياء تتشكل كنتيجة للتفاعل.
5- عدم ربط التفاعلية الرمزية بين الأبنية الاجتماعية و العماليات الاجتماعية واقتصارها على تأكيد وجود كل منها
6-رغم اهتمام علماء التفاعلية الرمزية بالجوانب النفسية للذات إلا انهم أكدوا انتمائهم السوسيولوجي من خلال الحرص على فهم الذات الفاعلة من خلال التفاعل بوصفها أي الذات، مركب اجتماعي صرف، مع بعض الإيحاءات النفسية والبيولوجية عند ميد، ويبدوا إن التركيز على الجوانب الاجتماعية جعل من صورة الفاعل عند علماء التفاعلية الرمزية مجتزأة، إذ ركز التفاعليون الرمزيون على رؤية الذات من خلال الوجه الاجتماعي في حين تشير الدراسات الحديثة إلى تكاملية رؤية الشخصية في ضوء ما هو موروث وما هو مكتسب .
7- إن الأفراد يسلكون سلوكيات معينة دون تخيل صورة الآخر أو انه قد يتخيل أو يتوقع ردة الفعل الخاصة بالآخرين ولكنه يسلك سلوكا مغايرا للتوقع الذي يفترضه الآخر ،مثل هذا التصور و التأويل لم تنتبه إليه التفاعلية الرمزية في حين انتبه إليه (بارسنز) في نظريته عن الفعل الاجتماعي وخاصة في النظرية الإرادية للفعل ، التي تقوم على تعريف الفاعل للموقف التفاعلي متأثرا بالعالم (ماكس فيبر) إذ ادخل بارسنز) مفهوم النفعية والعقلانية في وصف وتحديد سلوك الفرد أثناء التفاعل وهذا يعني إن النفعية قد تقتضي سلوكا غير متوقع من قبل الآخر ،لان الآخر قد درج بحكم العادة على نمط سلوكي معين ، في حين إن مصلحة الفرد قد تربك تصورات الآخرين عن تصرفه بإبدال السلوك المتوقع بسلوك آخر يحقق نفعية اكبر للمتصرف.
8- من الجوانب الأخرى التي لم ينتبه أليها التفاعليون الرمزيون ،باستثناء زمل ، هي مكانة الفرد الاجتماعية وأدواره المترتبة على تلك المكانة وأثرها في تشكيل ذاته فالإنسان يتأثر إلى حد كبير بطبيعة الدور الذي يؤديه ، وعندما ينتقل الفرد من مكانة إلى أخرى جديدة فان ذاته أيضا تتعرض إلى التغير النسبي باختلاف الأشخاص والمكانات كما تدخل اعتبارات جديدة في السلوك تجاه الآخر ومدى الاهتمام بتقييمه لسلوكنا ، هل هو اقل منا مكانة أم أعلى ؟هل يوجد تشابه في الأدوار أم لا ؟ إن المكانات والأدوار تؤثران في أولويات الفرد ومقدماته النفعية والعقلانية مما يسمحان بإعادة تقويم الآخر وإعطاء تقييم جديد له يختلف عن التقييمات السابقة .
9-- رؤية التفاعلية الرمزية تجعل أحكامها اجتماعية وهذا يتناقض مع الحتمية إذا أن القدرات الرمزية للتفاعلين يتبع إدخال عناصر استثنائية غير متوقعة في الموقف التفاعلي مما يمكن له أن يغير مجرى التفاعل في أي لحظة.
10-- العامل الآخر الذي ركز عليه علماء التفاعلية الرمزية هو تصورات الآخرين عن ذواتنا ودورها في تشكيل وعينا بذاتنا وفهمنا الموضوعي لشخصيتنا وهذا أمر أوقع القارئ للتفاعلية الرمزية في إرباك الفهم النفسي الاجتماعي لما بعد تصورنا عن تصورات الآخرين حول ذواتنا ، أي ما يتبع تقييم الذات من قبل الآخرين ، بمعنى آخر إن التفاعليين الرمزيين لم يوضحوا الأثر النفسي الذي تتركه تقييمات الآخرين حول ذواتنا بل وحتى الأثر الاجتماعي للتصور الاجتماعي حول الذات كما لم يتم تحديد من هم الآخرون الذين يعول عليهم الفرد في التقييم وعكس صورة الذات سلبا كان ذلك أم إيجابا . وقد يكون (كولي) أكثر وضوحا في هذا الجانب عندما أكد انعكاس صورة الذات على مرآة المجتمع مع التركيز على الجماعة الأولية بوصفها الجماعة التي تسهم بشكل اكبر في تصميم الشخصية ، بمعنى إن الجماعات التي يعيش فيها الإنسان في مراحل مبكرة من حياته تكون أكثر تأثيرا في تشكيل صورة الذات فالفرد يهتم بتقييم الآخرين القريبين منه والذي يهمه رأيهم في تصرفاته وسلوكياته وأراءه ، كالعائلة والأصدقاء ولكن في المجتمعات الحديثة بالذات لم تعد الجماعات الأولية هي فقط صاحبة التأثير في سلوك الإنسان ، وتكوين شخصيته بل أخذت مؤسسات وجماعات أخرى تلعب دورا فاعلا في عكس صورة الذات مثل موئسات العمل والجامعات والمدارس ، وهذا يعني إن الأشخاص قد يغيرون أنماطهم السلوكية في ضوء تفاعلاتهم الجديدة ، ولكن السؤال المطروح فعلا ،هوهل يضع الفرد في حساباته دائما تقييم الآخرين لذاته.
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع
-النظريات الاجتماعية د-محمد حجازي
-علم الاجتماع النظريات الكلاسكيه والنقدية د-احمد زايد
-مبادئ التنشئة الاجتماعية-عبد العزيز خواجة
- أيان كريب: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابر ماس،: محمد حسين غلوم، عالم المعرفة،
-موقع اجتماعي –أضافه بعض المعلومات منه
-مجله العلوم الاجتماعية
الجمعة، 14 أكتوبر 2016

تأملات سوسيولوجية في ظاهرة "التشرميل"

تأملات سوسيولوجية في ظاهرة "التشرميل" 


كي نقترب من سلوك ما يسمى "بالتشرميل" يجب أن نفهمه في سياق التحولات القيمية التي تجتاح مجتمعاتنا العربية والمغرب واحد منها، وعلى رأسها فئة الشباب والمراهقين، فالجيل الحالي من الشباب، تشبع بثقافة جديدة عنوانها هو التعبير عن الذات، والانحلال من كل القيود المجتمعية والقيمية التي أطرت الأجيال السابقة، وقد غذى هذه الموجة، الأجواء المساعدة على الحرية التعبيرية والمظهرية والفنية والرياضية وغيرها، في ظل تراجع دور المؤسسات الاجتماعية التقليدية.
وقد تزامن كل ذلك، بالفورة التكنولوجية الخطيرة، التي نجدها في الشبكات الاجتماعية، والتي بدأت تشكل مجالا للتعبير "المعقول وغير المعقول" عن هواجس ومكنونات مكبوتة يعيشها الجيل الحالي في ظل فراغ قيمي قاتل، وهو ما يظهر في سلوكيات "التشرميل"، التي لا نستطيع أن نقول عنها إنها "ظاهرة مجتمعية" فهي لا تمتلك خصائص الظاهرة، كما ندرسها في السوسيولوجيا، لكنها تؤشر على تحول في منظومة القيم، وهي أيضا مؤشر على بوادر بروز الظاهرة.
من جهة أخرى، يمكن أن نفهم أن هذه السلوكات، بربطها بظاهرة المجتمع الاستهلاكي، والذي يعني الارتماء في الإشباع في نمط العيش إلى حد اللاعقلانية، ولهذا هناك توجه عالمي يتسم بارتفاع في الإشباع في عالم-الحياة mode de vie ، غذه بطبيعة الحال ارتفاع الاستهلاك في وسائل الإعلام الجماهيرية، كما أن التقنيات الجديدة للتواصل وتكنولوجيا الاتصال فتحت فرصا غير مسبوقة، للتماهي مع منتجات السوق، في شكلها السوي وغير السوي.
إن هذا السلوكات تنبئ عن بروز قيم لم تكن معروفة في السابق، كقيم الاستهلاك المفرطة، والتي تختلف عن الاستهلاك الذي كان سائدا في الماضي، فقد أصبح الاستهلاك بدون هدف وبدون معنى، فإذا كان في السابق، محددا بغاية وبهدف، فإنه حاليا، في ظل التدفق الكثيف لوسائل الإعلام وللإشهار الزائد عن الحد، أصبحت قيم الاستهلاك "نمط في الحياة" « live style »، فالإنسان المغربي(طبعا بدون أن نعمم)، أصبح يلهث وراء المال، ووراء البحث عن الطريف والجديد والصارخ والمتفرد، فبدأ ينغمس في العوالم الافتراضية الوهمية بحثا عن التسلية الواهية، فيحصل له التبدد ثم الضياع.
وقد لا يحقق الأفراد، خصوصا المعدمون منهم إشباعا في هذه القيم الاستهلاكية، مما يخلق لهم انفصامات وتوترات وانكسارات عميقة المدى، مما يجعلهم أحيانا يستعيضون عنها بالدخول في دوامة العنف، أو السرقة، أو بيع أجسادهن، (وهو ما يمكن أن نفهم منه تعاظم وثيرة الدعارة في المغرب بشكل رهيب)، أو الارتماء في عالم المخدرات، والمتابعة الهستيرية لمباريات كرة القدم، وفي بعض الأحيان الوصول إلى حد الانتحار أو التفكير في الانتحار... أو حتى في الدخول في حالات من "السكيزوفرينيا" أو "الباتولوجيا" المرضية. ولعل "التشرميل" أحد أوجهها التي طفت في السطح المغربي حاليا، والتي لا يمكن فصلها عن مجموع الظواهر المرضية التي يمر بها المجتمع المغربي الحالي.
وبكل تأكيد، فالتخوف مشروع في انتقال الممارسات "التشرميل" إلى بقية أفراد الفئة الهشة على المستوى القيمي الأخلاقي، والتي تعاني من فراغ أو خواء فكري وقيمي، والأخطر روحي وديني وتربوي، مما ينذر بتوحلها إلى نوع من المقبولية الشبابية والمراهقية، والتي تعني أن فئة الشباب والمراهقين، تستهويها مثل هذه التصرفات، إما بدافع المحاكاة-غير الواعية في أغلب الحالات-، أو بدافع الشهرة وإبراز الذات، والتفاخر الطقوسي الغرائبي. "فكل مثير محبوب". وليس غريبا أن يلتقط الشباب هذه الممارسات، التي ظهرت في وسط حضري مثقل بالتوعكات السوسيو-ثقافية والسوسيو-اجتماعية والسوسيو-اقتصادية هو"درب السلطان"، وأن يتم ترويجها على أوسع نطاق، بفضل الشبكات الاجتماعية الحديثة.
ولعل ما يثير التخوف، هو أن انهيار السلطة في المجتمع (بمعناه الواسع)، سيعمق أكثر من ذيوع هذه الأنواع من الممارسات المتطرفة والشاذة والغريبة على مجتمعنا المغربي. طبعا نسجل أن هناك رد فعل قوي للجهاز الأمني، في التدخل السريع لإيقاف النزيف، لكنه غير كاف في المسألة.
وفيما يتعلق بالحلول، أعتقد أن هذه الظواهر تحتاج إلى عمل نوعي ومتتابع في الزمان والمكان وعبر المراحل السوسيو-تاريخية. ونحن نعتقد أننا بحاجة أولا وأخيرا، إلى رؤية مجتمعية واضحة لما نريده بالمواطن المغربي، وبالشاب المغربي وبالمراهق المغربي. ومن ثم يجب أن تكون لنا القدرة على خلق البيئات الملازمة لصناعة الإنسان/ المواطن، الإنسان المغربي المعتز بهويته الدينية، وبحضارته الثقافية المغربية الأصيلة والمتشبع بالقيم الكونية السامية والنبيلة. وهذا الأمر، نعتقد أنه يجب أن يصبح سيمفونية يعزفها الكل: الأسرة، الروض، المدرسة، الجامعة، الإعلام، المجتمع المدني، وغيرها من المؤسسات المجتمعية، سواء الرسمية أو غيرها.. والأهم من ذلك، أن يكون لنا طموح جماعي يستنهض القيم المحركة والايجابية لربح رهان التحديات التي تواجهنا.
أخيرا، هناك مسألة الحلول الاستباقية، وهي الأقدر على تجنبينا أو على الأقل التخفيف من حدة هذه الظواهر والممارسات، التي تكلفنا الشيء الكثير. فعلى سبيل المثال، يمكننا في هذا الصدد أن نطرح فكرة تنموية توصل إليها خبراء التنمية العالميين، وهي أن الاستثمار في الرأسمال البشري، لا يضاهيها أي استثمار، وأنها من الناحية المادية / الاقتصادية الصرفة، تعد أفضل السبل للتقليل من القيود المادية التي تشرط وضعنا الحالي. بمعنى آخر، كلما عبئنا واستثمرنا أموالا وميزانيات مهمة، في توجيهها للكتلة الحرجة وهي الشباب والمراهقين، كلما كانت نواتجه أقل من كل الميزانيات التي قد نحتاجها في المجال الصحي أو في المجال العقلاني بمعناه الضيق "السجن" أو الأمني في تعبئة الكثير من الموارد والطواقم لمواجهة هذه الظواهر. فالأمر من الناحية الاقتصادية بين كلا الاختيارين، يرجح الاختيار الأول، ألاّ وهو تنمية السلوك المدني عند الشباب.

هكذا تحاور بورديو…

هكذا تحاور بورديو…

 

إن السوسيولوجيا تتأسس علميا و موضوعيا على ” الإجتماعي” . هذا الأساس الذي ترتكز عليه في حركة ذهاب و إياب بين العدة النظرية و المعطيات الميدانية , حيث أنها لا تفصل بينهما فكلاهما يكمل الآخر.

و الحال أن العدة النظرية بدون ميدان – تعتمل فيه الوقائع و الظواهر الإجتماعية- عمياء, و الواقع بدون عدة نظرية أجوف.
لذلك فالسوسيولوجيا ممارسة ميدانية بامتياز, تقتضي عملية الهدم و البناء مع المحافظة على الصرامة و الدقة العلميتين و خصوصية الواقع.
غير أن السوسيولوجيا لا تدعي لنفسها الفهم الدوغمائي و النهائي للتجربة الحقلية , و بالتالي فهي قادرة على طرح بديل للهشاشة و الأعطاب المجتمعية . بقدر ما تضع نفسها على عتبة الفهم , فهي مجرد خطوة أولى على طريق الفهم و التفسير.
تحاول مقاربة الفعل الإجتماعي و اكتشاف الثابث و المتحول داخل المجتمع عبر استدماج و استلهام فهم خاص للممارسة السوسيولوجية.
إلا أن بلوغ هذا المرمى يقتضي خارطة طريق يتتبعها عالم الإجتماع حتى يتمكن من ملامسة المعنى و استقرائه دون السقوط في الذاتية و الرضوخ للإجابات الجاهزة , فمهمة عالم الإجتماع – على حد قول بورديو- هي تفجير السؤال النقدي عبر التمكن من منطق العلاقات و الأدوار و المؤسسات المجتمعية و إضفاء معنى منطقي على تحولاتها و ثباثها .
و لعل أسلوب الحوار يظل أحد المقاربات المشترطة في عالم الإجتماع حتى يستطيع فهم الجماعات الإنسانية في صيغ انوجادها و تشكلاتها و صيغ ارتباط الفرد بها . يشير إميل دوركهايم في كتابه ” قواعد المنهج الإجتماعي” على أن الإجتماعي لا يمكن تفسيره إلا بالإجتماعي . فالحوار و المساءلة يظلان المورد الأساس الذي يعطي للسوسيولوجيا المعنى و المبنى المعرفي .
فهل باستطاعة عالم الإجتماع إصاخة السمع و التقاط تفاصيل التفاصيل عبر أسلوب الحوار؟ بل ما هي شروط الحوار و أدواته أولا؟ و كيف يرى العلاقة بينه و بين المستجوب؟ و هل باستطاعته القطع مع الحس المشترك و مع الخيميائي الذي يسكنه؟ و ما المعايير و المبادئ التي يستند عليها التحقيق و الحوار السوسيولوجيين؟ ألا يحمل الحوار في حد ذاته عنفا رمزيا اتجاه المستجوب خصوصا و أن كل سؤال ينبش في ذاكرة المستجوب الخاصة؟
أسلوب في الحوار
في كتابه ” بؤس العالم” la misère du monde عن منشورات ” لوسوي ” le Seuil بباريس و هو كتاب ضخم و مرجع سوسيولوجي أثير لا غنى عنه في قارة السوسيولوجيا عمد بيير بورديو و آخرون – ما ينيف على عشرين باحثا اجتماعيا- في أحد أهم فصول الكتاب إلى اعتماد أسلوب الحوار و التحقيق مع مختلف الشرائح الإجتماعية الفرنسية حتى يتمكن من تحديد مظاهر العسر التي يعاني منها المجتمع في فرنسا بمختلف مكوناته البشرية -حتى المهاجرين منهم و الأجانب- .
قضى بيير بورديو عقودا عديدة في إجراء حوارات و تحقيقات سوسيولوجية , منهجسا بمعرفة تفجير السؤال النقدي لفهم و تعرية الظاهرة الإجتماعية , يشرح و يفكك النسق العام بعيدا عن الوصفات الجاهزة و الركون إلى المقاربات الكسولة . فولدت لديه هذه العقود خلاصة مفادها أن الممارسة السوسيولوجية يجب أن تكون على أعلى مستوى من الحذر و الإحتياط من مغبة الوقوع في المعرفة المعدة و المطبوخة سلفا أو الإنصهار العاطفي و الشعوري بين مجري الحوار و المجرى معه الحوار خصوصا و أن الباحث يثقل كاهله العبء الرمزي الذي يمارسه عليه التاريخ , فهو ينتج تاريخه ببحثه المضني عن الهوية و الإنتماء , و هو بذلك لا محالة ساقط في لعبة التاريخ و التأريخ .
و الجدير بالذكر أن ثمة علاقة تقوم أثناء الإستجواب بين المستجوب و المستجوب . هذه العلاقة التي لا يمكن توقع مجراها و لا نتائجها , فهي تمثل حقل تأثير و تأثر بين سوسيولوجي ليس بالضرورة مصلحا اجتماعيا و لا ينفعل وجدانيا مع ظاهرة العسر و العطب الإجتماعي , يدرس الحقل بحذر إبستمولوجي كبير و بحياد و برود كبيرين , و بين مستجوب يعيش الأزمة تتعالى زفراته و سخطه . أتراه قادرا على التعبير عما يعتمل داخله ؟ وهل بمقدوره الكشف عن ذلك و التعبير عنه بشكل يمكن المحقق من فهم وتحليل الظاهرة ؟
أم سيفضل الصمت لأن هناك أسبابا خفية قد تمنعه من قبل الخصوصية أو الخوف من الآخر أو فوبيا تعرية الذات إلى غير تلك من الأسباب المعقدة و المتعددة بتعدد المستجوبين ؟
كل هذه الإلتواءات و المطبات الفكرية و الميدانية المعقدة دفعت ببورديو إلى إقامة مقاربة معرفية علمية لا علموية مادتها احتياطات منهجية و علمية و عدتها البراديغم السوسيولوجي الصارم .
هذا الأخير الذي يعبد الطريق الملكي نحو الفهم , فمهمة المحاور- الباحث السوسيولوجي- مهمة نضالية لا تقتنع بالحوارات الكسولة و المطمئنة و لا تقف عند حدود الجاهز و اليقيني .
و تجدر الإشارة إلى أن أول قاعدة اشترط بيير يورديو أن تتوفر لدى الباحث السوسيولوجي القائم بالمحاورة أو التحقيق تتمثل فيما أسماه بالإنعكاسية Réflexivité , و التي تقضي بأن يمارس قواعد حرفته و مبادئها القيمية على عمله نفسه . وشدد على ضرورة تحليله لعمله و خطابه و نشاطه تحليلا انعكاسيا ) ذاتيا (. و بعبارة أخرى عليه أن يستعمل حواراته و تحقيقاته و ما توصل إليه ليغربل دوره و ليكشف العوامل الناتجة عن تاريخه الشخصي و تطبعه و التي قد تؤثر على ممارسته العلمية و تشوش رؤيته للمجتمع . ولذلك أصبح مفهوم الإنعكاسية في نظر بورديو شرطا أساسيا لكل عمل نزيه و موضوعي في مجال العلوم الإجتماعية . و الحال أن هذا الشرط من شأنه ان يخلق لدى الباحث السوسيولوجي نوعا من ردة الفعل الدائمة و الحاضرة المؤسسة على تمرس مهني و على عين سوسيوبوجية ثالثة تكشف ما هو مخفي و ليس ما هو ماثل أمامه , تتيح له إمكانية السيطرة على مجريات الحوار و على البنية الإجتماعية التي ينشدها الباحث و يتحقق في حقلها الحوار المرغوب المفضي إلى تحليل اجتماعي عميق لدلالات الاجابات .
فكيف باستطاعة الباحث السوسيولوجي إذن تطبيق باراديغمه الصارم على عمله نفسه؟ و ما السبيل إلى بناء حوار بعيد عن كل المؤثرات التي تحول دون الفهم الكامل للعطب و مظاهر العسر؟
كما أسلفنا الذكر تنشأ ثمة علاقة بين المستجوب و المستجوب , هذه الأخيرة التي تطرح أكثر من علامة استفهام , إذ تترك لا محالة آثارا على المستجوب و على رؤيته الشخصية للحوار في عموميته , جدواه و ضرورته . خصوصا و أن الحوار أو التحقيق المراد إنجازه لكشف مكامن العطب و العسر اللذين يعاني منهما غالبا ما يعتبره تسللا إلى عالمه الشخصي.
و الحال أن الباحث هو الذي يعمل على مد جسر التحقيق و الحوار متخذا في ذلك البناء قواعده الخاصة و كيفيات حواره بشكل أحادي دون تفاوض مسبق و معلن بين الطرفين , مما يشكل تجاوزا أو عنفا رمزيا قد يمارس على المستجوب .
و لعل اختلاف المستوى الثقافي و اللغوي – الرساميل الرمزية- و المكانة الإجتماعية أو المهنية المتميزة التي قد يشغلها المحاور تزيد من صعوبة عمله كباحث سوسيولوجي .
لذلك صار لزاما عليه إصاخة السمع الممنهج و الفعال و الإنصات لدقائق الأمور لفهم منطقها الداخلي و لإعطائها المعنى المفترض بعيدا عن عفوية الحوار غير الموجه و عن التسلط و الإعداد المسبق للأجوبة و التي غالبا ما يحيل المحاور المحاور عليها بشكل من الأشكال و كأنه بذلك يضعها له في فمه عبر أسئلة موجهة و مقدمة سلفا تحمل في ثناياها الجواب ذاته.
ووعيا من الباحث السوسيولوجي بأهمية الحوار و دوره في الكشف عن المخفي المجسد للعطب الإجتماعي , يرى بورديو أن المحاور عليه أن يلم بالوضع الكلي للتحقيق و المحاورة عبر محاولة الدخول إلى عالم المستجوب بتبني لغته و خطابه و تاريخه الخاص إن أمكن , مما يمكن من إحداث نوع من التكيف Adaptation يقحم المحاور في وجهات نظر و مشاعر و أفكار المحاور.
إن الباحث السوسيولوجي مدعو الآن إلى تعديل ممتلكاته اللغوية و الرمزية بشكل يمتزج و ممتلكات المستجوب . و من هنا يطرح بورديو سؤالا و مهما و أساسيا , من يحاور من؟
و للإجابة على هذا السؤال طلب بورديو من العاملين إجراء الحوارأو التحقيق مع أناس يعرفونهم هم أنفسهم من قبل . فلنعكس الصورة لنتلمس الحقيقة . فلنتصور جدلا أن باحثا سوسيولوجيا فرنسيا قام بهذا التحقيق مع مستجوب من المهاجرين العرب مثلا , و أن هذا الأخير تختلف ممتلكاته اللغوية و الرمزية كليا أو جزئيا عن ممتلكات المستجوب -علما أن كل الباحثين أجمعوا على أن حصر انتباه المحاور باستمرار و جرد المعلومات و الأجوبة التي قد تكون متسرعة, مزيفة, غامضة… من الصعوبة بما كان- ترى هل ثمة فرصة كاملة وسانحة لإجراء الحوار عبر قناة غير مشفرة , بمعنى أن الباحث سوف لن يجد أدنى صعوبة في استصغاء زفرات وآهات و تعابير و لغة المحاور على اختلاف الممتلكات ؟ يبدو أن المهمة هنا تبدو صعبة.
من هنا تطفو عبقرية بورديو على سطح الممارسة السوسيولوجية حيث أوكل محاورة العمال العرب و أبناءهم مثلا لباحثين اجتماعيين مغاربيين يعيشون في الحي نفسه , و تربطهم علاقات جوار أو صداقة تمتد لسنوات . هذا التقارب يجعل المحاور يتكلم بأريحية و بدقة لأن المستجوب منحه قبلا و بعدا تلك الضمانة على عدم تعرية البواعث الذاتية و الشخصية للمحاور. مما يجعل الطرفان على وفاق و تلاؤم يعطي لكل جزئيات الحوار أهمية بالغة من قبيل العلامات اللفظية , الإشارات , الأخطاء اللغوية , تعابير الوجه… وهذا كله يساعد إلى درجة كبيرة في دراسة الأجوبة و تفاصيلها عند الفراغ من الحوار.
و الحال أن المستجوب يجد نفسه منخرطا بشكل طواعي في الحوار باعتباره عاملا أثيرا في عملية البناء النظري لبداية و نهاية التحقيق . فالحوار الناجح في نظر بورديو هو الذي يتكون عير سلسلة من الحوارات المضنية المقيدة بالبراديغم الصارم , و ليس ذاك الذي يتسارع البعض إلى إنجازه عبر لقاء أو إثنين ظانين أن الحظ حالفهم من أول وهلة .
بعد ذلك تأتي الخطوة التالية حيث يتم تسجيل الحوار و تحريره , و هنا تبرز حنكة و حرفية بورديو في التوثيق . فالرجل كان يؤمن بالكتابة , بل و حتى الكتابة التي تسجل الإنفعالات و الأحاسيس و الإيماءات … ذلك كله لتوفير أعلى شروط المقروئية الممكنة للتحقيق السوسيولوجي باعتباره لحظة تواصل أصيلة .
خاتمة :
إن الباحث السوسيولوجي يفترض فيه أن ينشئ سلسلة حوارات تواصلية دون مطبات أو عوائق . عبر وضعيات بعيدة عن تفاوت الممتلكات اللغوية و الرمزية , وضعيات تسمح للمستجوب بالتعبير عن مظاهر العطب و العسر و الخلل الذي يعاني منه داخل المجتمع , وضعيات مشجعة على انبثاق حوار استثنائي و فعال. آنذاك يمكن أن نتحدث عن انعقاده انعقادا سليما يمكننا من اعادة اكتشاف “الحقيقة” الاجتماعية من منابعها الاصلية ومن أصولها التي ترجع اليها باستمرار من دون زيف أو تحوير .

النظريات السكانية

النظريات السكانية



ظهرت العديد من النظريات السكانية في مراحل مختلفة تعود لمفكرين و باحثين ينتمون لمدارس معرفية عديدة تروم إبراز العلاقة بين السكان والموارد وكيفية التكامل بينهما وتدرس تطور حجم السكان من حيث معدل الخصوبة السكانية (متوسط عدد الأطفال لكل إمرأة) ومدى امكانية توقعه مستقبلا وكذلك معدل الوفيات والهجرة.
و لعل أبرز هذه النظريات التي عرفها القرن التاسع عشر والقرن العشرون هي نظرية مالتوس,  تلتها النظرية الإجتماعية و النظرية الطبيعية . فما هي مميزات كل نظرية؟
.1       النظرية المالتوسية
تعد هذه النظرية من أبرز النظريات السكانية التي عالجت العلاقة بين السكان والموارد وهي للإقتصادي روبرت مالثوس (1766-1834) في كتابه “تجربة حول قانون السكان”. وهي تنص على أن قدرة الإنسان على الإنجاب والتناسل أعظم منها على إنتاج ضروريات الحياة .
فقد رأى مالثوس أن قدرة السكان على التزايد أعظم من قدرة الأرض على انتاج وسائل العيش ويمكن صياغة ذلك حسابياً بأن تزايد السكان يتم وفق متوالية هندسية بينما لا تزيد وسائل العيش إلا وفق متوالية حسابية.
وفي سياق هذا التأويل الرياضي لنمو السكان ووسائل المعيشة تعد المجاعة مثلا بمثابة منظم طبيعي “ايجابي” حسب تعبير مالثوس للتوازن بين المواد الغذائية والسكان إذا لم يتخذ السكان اجراءات لوقف نموهم. واطلق على هذه الاجراءات ” المنظمات الاخلاقية للتوازن” ومنها الزواج المتأخر وضبط الشهوة الجنسية.
و قدتزامن ظهور النظرية مع اصطدام النظام الرأسمالي ببدايات مظاهر الأزمة التي عرفتها الثورة الصناعية. فأرجع مالتوس أسباب الأزمة المتمثلة في فقر الفلاحين والحرفيين وانتشار البطالة إلى الطبيعة الازلية البيولوجية وليس إلى طبيعة علاقات الإستغلال الإجتماعية كما فعل ماركس  .
وقد تعرضت النظرية المالتوسية على أمتداد القرن التاسع عشر والعشرين وإلى الآن إلى النقد الذي أثبت فشلها.
.2     النظرية الطبيعية
تعتقد النظريات الطبيعية  أو البيولوجية  أن السكان متغير مستقل ومن ثم توجد له قوانينه الخاصة التي تنظم تغيره وتتحكم في اتجاهات نموه. وهذا التيار يعتمد في رؤيته للمشكلة السكانية على نتائج التجارب العملية التي طبقت على بعض الحشرات والحيوانات والكائنات الحية الأخرى.
ومن أبرز الكتاب الذين ساهموا في هذا الاتجاه سادلر ودبلداي وسبنسر وجيني.
أ‌.      نظرية سادلرMICHAEL THOMAS SADLER
يعتقد صاحب النظرية أن زيادة السكان عملية بيولوجية تتحكم في نفسها بنفسها . فكلما زاد عدد السكان في بلد معين تتدخل هذه الأخيرة لحمايته من التضخم الزائد , عبر إنقاص القدرة التناسلية للفرد.
فالرجل يرى أن نقص عدد السكان و استقراره في نقطة معينة يتم في انتقال الإنسان من مرحلة بدائية إلى مرحلة أخرى أكثر تطورا إلى مراحل أرقى حيث تظهر بكل جلاء ظاهرة تقسيم العمل و تعم الراحة و الرفاهية.
ب‌. نظرية دبلدايTHOMAS DOULEDAY
يرى دبلداي أن النوع البشري في تعرضه للخطر, تبذل الطبيعة جهودا لحفظه و حماياته. حيث أن عدد هذا الأخير في تناقص مستمر داخل الطبقة الغنية و في تزايد داخل الطبقة الفقيرة , أما الطبقة المتوسطة فنسبة التوالد داخلها ثابتة.
فالأمة القادرة على إيجاد توازن بين الطبقتين الغنية و الفقيرة تتمكن من جعل عدد سكانها ثابتا .
و ما لم تستطع ذلك رغم الثراء و الرخاء فعدد سكانها يضمحل . و هذا هو القانون الحقيقي العظيم للسكان لدبلداي في علاقة السكان بالتغذية.
ت‌. نظرية سبنسرHERBERT SPENCER
لم يبن سبنسر نظريته على أساس التغذية و حدها كما فعل دبلداي بل على ما أسماه التنافر بين الذاتية و التوالد . فكلما أفرط الفرد في تأكيد وجوده قلت حظوظ الخلف. و يتجلى ذلك عند السيدات العاملات و المنتسبات للطبقة الغنية, فبالرغم من التغذية الجيدة التي يحظين بها إلا أن التأثير الذي يتعرض له تركيبهن العضوي يقلل من القدرة على الإنسال. بينما تتزايد نسبة الإنسال عند اللائي لم يتلقين تعليما عاليا و لم يعرفن نضوجا ذاتيا.
ث‌. نظرية جينيCORADO GINI
تنبني نظرية جيني على أساس طبيعة العلاقة بين المتغير السكاني و النظم الإقتصادية و السياسية و الثقافية . حيث أن التركيب السكاني بإمكانه تغيير التركيب الجنسي أو البيولوجي للمجتمع.
فالرجل يعتقد أن المجتمعات تتم في مراحل تكوينها بخصوبة مرتفعة تؤدي إلى ازدياد كثافتها , هذه الأخيرة تصاحبها اختلافات  في الأوضاع الإجتماعية مما ينتج عنه اختلاف كذلك في معدلات الخصوبة بين الطبقات . و عند الإكتظاظ السكاني للمجتمع يضطر جزء منه إلى الهجرة بطريقة سلمية أو مصاحبة بالحرب, التي تؤثر في عناصر واسعة من أفراد المجتمع.
ينتقل المجتمع فيما بعد إلى مرحلة ينقص فيها عدد السكان و الخصوبة , فتصعد الطبقات الدنيا إلى الطبقات العليا لملء الفراغ الذي خلفته هذه الأخيرة جراء نقص خصوبتها .  لتعم الرفاهية كل الطبقات
و ينتعش الإقتصاد و تزدهر الفنون و الآداب و الموسيقى.
كما يشير جيني إلى مرحلة أخرى يمر منها ذاتالمجتمع و هي مرحلة الإضمحلال التي تبدأ مع التقهقر الذي تعرفه الخصوبة من جهة و الهجرة من الريف إلى المدن من جهة ثانية , فيختل الإستهلاك مما يؤثر على الصناعة و التجارة , و يسبب في الأزمات الإجتماعية التي تؤدي إلى فناء المجتمع إما سلميا أو عن طريق الحرب.
إلا أن نظرية جيني لاقت انتقادات خصوصا من بتريم سوروكن الذي اعتبرها بنيت على أساس من تاريخ الرومان و اليونان و من ثمة لا يمكن تعميمها على كل المجتمعات.
.3النظرية الإجتماعية
تتجه النظرية الإجتماعية إلى رفض تأثير العامل البيولوجي بل تعتقد بوجود عوامل اجتماعية يتأثر بها السكان فتجعل الإنسان يحدد إنجابه ويتجه إلى الأسرة النووية وذلك باتباع وسائل تحديد النسل دون أن تتغير طاقته البيولوجية على الإنجاب. ومن أبرز روادها هنري جورج وديمون وكار سوندرز وكارل ماركس.
أ‌.      كارل ماركس CARL MARX
يقرر كارل ماركس في نظريته أنه لا وجود لقانون عام ثابت للسكان. فلكل مجتمع قانونه السكاني الخاص به. و يعتقد أن النظام الإقتصادي السائد في المجتمع هو الذي يتحكم في عدد السكان و ليست الخواص الثابتة في الطبيعة كما يعتقد أصحاب النظرية الطبيعية . فإذا ما تحول النظام الإقتصادي الذي يتتبع الطريقة الرأسمالية في الإنتاج  إلى نظام اشتراكي سوف لن تكون ثمة مشكلة السكان المتمثلة في التزايد و الفقر و البؤس.
ودليله في ذلك أن ميل الإنسان إلى الضغط على وسائل العيش راجع إلى مساوئ الرأسمالية التي يمكن أن تزول بعد زوال الطبقات وبناء المجتمع الشيوعي. إلا أن نظريته هي الأخرى تجاهلت العوامل الأخرى غير الإقتصادية التي تؤثر في النمو الحقيقي للسكان, مثل الزواج و الخلف و هي عوامل لا يمكن إغفالها مما يتعارض مع طبيعة البشرمن جهة , و ما تقتضيه الحياة الإجتماعية السليمة من حهة أخرى.
ب‌. نظرية أرسبن ديمونARSENE DUMONT
يرى ديمون أن الإنسان عندما يحاول الترقي في بيئته الإجتماعية من طبقة دنيارإلى طبقة عليا , يفقده هذا التقدم الإجتماعي القدرة على الانسال . فكلما كان المجتمع أكثر ديمقراطية و يسمح بترقي الأفراد في السلم الطبقي الإجتماعي , يجنح أفراده إلى عدم الإهتمام بالخلف و تكوين الأسر , لأن ذلك يؤخر أو يعيق طموحهم الشخصي و بالتالي يلاحظ نقص ملحوظ في نسبة المواليد.
بينما ترتفع هذه الأخيرة في المجتمعات ذات النظام الطبقي الجامد الذي لا يسمح بترقي الأفراد و اندماجهم في طبقات عليا , و بالتالي فهم يتفرغون لتكوين أسرهم و يعملون على تماسكها.
و الملاحظ  أن هذه النظرية لا تختلف كثيرا عن نظرية سبنسر التي طورها ديمون و أضفى عليها تعديلات. إلا أنها لا تخلو من القيمة من وجهة النظر الإجتماعية رغم كونها لا تفسر بشكل كامل هبوط نسبة المواليد.
ت‌. نظرية كار سوندرزALEXANDER M. CARR- SAUNDERS
يعتقد كارسوندرز أن الإنسان يحاول دائما أن يصل بحجمه إلى العدد الأنسب داخل مجتمعه , مستثمرا و مستغلا بيئته بكل ثرواتها الطبيعية و البشرية دون أن تؤثر زيادة عدده في المستوى اللائق للمعيشة ,
ويربط  زيادة عدد السكان بزيادة تفاعل الإنسان مع بيئته  و العكس صحيح, وهو برأيه هذا يخالف مالتوس الذي يقول بأن زيادة عدد السكان لا تتناسب مع موارده.
وما يؤخذ على هذه النظرية هو أنه ليس من السهل تحديد الطاقة أوالعدد الأنسب الذي يتحدث عنه كارسوندرز في المجتمع, لأن هذا الأخير تتعدد أشكاله من بسيط و مركب . كما أنه ليس من اليسير توقع الإتجاه الحالي و المستقبلي لتكوين المجتمع الإقتصادي فكيف يمكن تقييم موارد المجتمع لمعرفة عدده الأنسب؟
خاتمة
تختلف النظريات السكانية باختلاف المدارس المعرفية التي تروم مقاربتها. إلا أن الملاحظ أنه لا توجد ثمة نظرية تشكل قانونا عاما و ثابتا للسكان , فلكل عصر و لكل مجتمع قانونه السكاني الخاص به ينتج بالضرورة عن الظروف السائدة بالمجتمع.
إلا أن كل النظريات لا تخلو من القيمة العلمية التي تكشف عن جوانب مهمة من علم دراسة السكان.

عربي باي